هو أحمد محمد أحمد ادريس, ابن النوبة، ولد بقرية توماس وعافية في الأربعينيات, وحصل علي الشهادة الابتدائية الأزهرية عام 1952. وفي عام 1954 تطوع البطل 'أحمد ادريس كمجند بقوات حرس الحدود وفي عام 1971 عندما تولي الرئيس محمد أنور السادات الرئاسة كانت هناك مشاكل تجاه عملية فك الشفرات . فأمر الرئيس قياداته بإيجاد حل, في ذلك الوقت كان "عم أحمد" منتدبا مع رئيس الأركان وسمع حديث دار بينه وبين القائد عن هذة المشكلة فتبسم ضاحكا وقال: "أنه أمر بسيط فاللغة النوبية هي الحل لأنها تنطق ولا تكتب ولن يستطيع أحد فك الشفرة نظرًا لخلو اللغة من الحروف الأبجدية", فأمر قائد الكتيبة باستدعاء الصول أحمد إدريس وكانت هذه نقطة البداية حيث نالت فكرتة إعجاب وموافقة قائده، وتم إصدار أمر بإحضاره عندما أبلغ الرئيس السادات بفكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة بين قادة الجيش المصري. وروي :عم "أحمد" اللحظة التي قابل فيها الرئيس الراحل السادات فقال:
أنتظرت الرئيس بمكتبه حتي ينتهي من اجتماعه مع اللواءات. وعندما رأيته كنت أرتجف نظرًا لأنها كانت المرة الأولي التي أري بها رئيسأ لجمهورية مصر العربية وتابع قائلا: "عندما وجد الرئيس الشعور الذي انتابني من قلق و خوف اتجه نحوي ووضع يده علي كتفي ثم جلس علي مكتبه وقال "أنت جوابك من المدرعات وأنت حرس حدود إية اللي وداك مدرعات؟' فرد "ادريس"، "كان عندي موضوع عام 1967، ولكن رفض أن يتحدث عنه، وقال "ده موضوع طويل هحكيه بعدين". وبعد حوار دام طويلا ضحك الرئيس السادات ضحكا هستيريا مما أدي الي شعور أدريس بالقلق وقال "هو أنا قلت حاجة غلط؟" فرد السادات "لا ده شيء في نفس يعقوب", وأكمل 'أدريس قائلا: قلت للرئيس إذا كان يريد أفراد نوبيين فعليه أن يستعين بأبناء النوبة القديمة، وليس نوبيين 1964، لأنهم لايجيدون اللغة, وهم متوفرون بقوات حرس الحدود، فأبتسم السادات قائلا: "بالفعل فقد كنت قائد أشارة بقوات حرس الحدود". وتابع أدريس ،عندما أنتهي لقائي بالرئيس السادات أعطاني ظرفا به 100 جنيه وضعته في جيبى وتركت المكان". وبعد عودة "عم أحمد" إلي وحدته من الأجازة كان عدد المجندين 35 فردا، وتم انتداب عدد من أفراد حرس الحدود حتي وصل مجموع الأعداد إلي 72 جنديًا من بلدتي "فاديكا"النوبية, وكانت أقل رتبة هي النقيب، وقاموا بإرسالهم إلي منطقة مدنية وتم الاتفاق علي الخطة بمنطقة "أبوصير", مع العلم بأن "القصاصين" كانت منطقة تمركز قوات الجيش، وقال: تم تدريبنا علي جهاز صغير، وبعد التدريب بدأنا نعدي القناة في المساء مستخدمين الكاوتش المطاط حتي لايصدر صوتا، واصفا شعورهم بالقلق والرعب في اليوم الأول, وأضاف أن المنطقة التي قاموا بالذهاب إليها كان يعسكر بها الجيش الإسرائيلي نهارًا ولكن في المساء يتركوا المكان متوغلين 5 كيلومترات إلي الخلف ويقوموا بتطويق المكان بالدبابات وتهيئتها كمنطقة دفاع. ويذكر عم "أحمد" أن الإيواء المستخدم للنوم كان عبارة عن صهاريج مياه يغفو بها طوال النهار وفي المساء يقوموا بعملية استطلاع والتبليغ عن عدد الدبابات, وذكر لنا عم أحمد أحد المصطلحات التي كانت تستخدم كشفرة فقال ، كنا نقول علي الدبابة "أولوم" ومعناها تمساح, أما العربات المجنزرة فكنا نقول عليها "اسلانجي" يعني ثعبان، وكانت مدة الوردية من سبعة إلي ثمانية أيام ثم تتبدل الوردية. وبالرغم من كل ماقيل علي عرب سيناء وتصرفاتهم المسيئة لأفراد الجيش قال عم أحمد "بالعكس دول كانوا بيجيبولنا الأكل و الشرب في الصهاريج ". واستمر الحال حتي عام 1973. وأكد أنه في ذلك الوقت حدث شيء غريب , أحضر الجيش الاسرائيلي "تريلات" وعند الخروج للاستطلاع بالرغم من عدم استطاعتهم الخروج بالنهار ولكن "طلعنا ووجدنا أن هناك 200 تريلا مع كل واحدة دبابة جديدة" فقاموا بالتبليغ علي الفور، وعندما علم أبو العز قام بإفساد انابيب ضخ المواد الملتهبة "النابلم" والتي أقامها الإسرائيليون علي شاطئ القناة، وقد صممت هذه الأجهزة بحيث تضخ علي سطح المياه علي امتداد القناة مزيجا من النابلم والزيوت سريعة الاشتعال مع كمية بنزين لتكون حاجزًا رهيبا من النيران كالجحيم يستحيل اختراقه. في اليوم الخامس من أكتوبر قامت القوات بالانسحاب من الضفة الشرقية متجهة إلي الاسماعيلية، وفي الساعة الثانية صباحا اشتغلت المدفعية والدبابات علي حد قول عم "أحمد", وتم احتلال الضفة الشرقية واستمرت الحرب حتي يوم 22 أكتوبر. وحدثنا "أدريس" عن الثغرة فقال: حدثت الثغرة كنتيجة مباشرة لأوامر الرئيس السادات بتطوير الهجوم شرقًا نحو المضايق، رغم تحذيرات القادة وخاصة الفريق سعد الدين الشاذلي - بأنه إذا خرجت القوات خارج مظلة الدفاع الجوي المصرية فستصبح هدفًا سهلاً للطيران الإسرائيلي. وبالفعل في صباح يوم 14 أكتوبر عام 1973م تم سحب الفرقتين الرابعة والواحدة والعشرين وتم دفعهما شرقًا نحو المضايق. يذكر أن الفرقتين الرابعة والواحدة والعشرين كانتا موكلاً إليهما تأمين مؤخرة الجيش المصري من ناحية الضفة الغربية لقناة السويس وصد الهجوم عنها إذا ما حدث اختراق للأنساق الأولي، وكانت هناك ثلاث ثغرات تتضمنهم خطة العبور المسماة ب المآذن العالية، ومن بينها ثغرة الدفرسوار التي حدث عندها الاختراق. بعد فشل تطوير الهجوم رفض الرئيس السادات مطالب رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق سعد الدين الشاذلي في إعادة الفرقتين إلي مواقعهما الرئيسية للقيام بمهام التأمين التي تدربوا عليها. عندما وجد السادات ذلك قال "أنا لا أحارب أسرائيل" ولكني في حرب مع أمريكا، وفي نهاية الحرب عمل وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر كوسيط بين أطراف الحرب، ونجح في التوصل إلي اتفاقية هدنة كوفئ "إدريس" بمد فترة خدمتة الي أربعة سنوات وقال: كانوا رافضين خروجي من الجيش ولكني اضطررت نظرا لظروف مرضية. فاللغة النوبية هي الشفرة الرئيسية في حرب أكتوبر وليست شفرة المورس, الأمر الذي جعل الرئيس السادات يقوم بتحذير عم أحمد بعدم الإفصاح عن هذا السر العسكري وأكد "ادريس": أنا لم افصح عنه سوي السنة الماضية لمفاجأتي بشخص نوبي عمرة 40 عامًا كان يدعي أنه هو الذي أدخل فكرة اللغة النوبية كشفرة، وتابع.. ذهبت إلي وزارة الدفاع وحكيت القصة ولكن كان الرد هذا القانون لا يطبق عليك, فلا أدري أي قانون, مافيش حد قدرني والجواب عندي في البيت.
بعد علم دولة إسرائيل بمعرفة اللغة التي كانت تستخدم كشفرة, قاموا بمحاولة لدراسة اللغة النوبية, حيث كان هناك رجلا يدعي محجوب الميرغني، كان يدرس اللغة النوبية بمعهد النهضة النوبي لفردين حاملين الجنسية الألمانية, وعند حضور إدريس إحدي صفوف الدرس وجد أنهم يسألون عن معني كلمتي "دبابة و طائرة" باللغة النوبية, مما أثار شك عم أحمد والأمر الذي دعي الي توجية تحذير لمحجوب من اعطاء أي معلومات لهؤلاء، وهدده بتقديم بلاغ مؤكدا أن "محجوب" كان يقوم بذلك بدون مقابل أو بحسن نية علي حد قوله، مضيفا "قلت له الطريقة الصحيحة هي إحضار جواب من الجيش أو القوات الحربية كتصريح لتعلم اللغة, واستمرت هذه الشفرة حتي عام 1994، وكانت تستخدم في البيانات السرية بين القيادات واللواءات.