بدأت النيابة العامة مرافعتها الثلاثاء في محاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك ونجليه ووزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي ومساعديه. وقال المستشار مصطفي سليمان المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة في مرافعته أن هذه القضية في حقيقة الأمر دعويين "قتل المتظاهرين وقضايا الفساد المالي" لكنهما في الواقع يمثلان قضية واحدة.. القضية الأساسية الاشتراك في القتل والشروع فيه, وهي ليست قضية شبيهة بأية قضية قتل نمطية نظرتها المحكمة, وإنما هي قضية قتل فريدة في أطرافها.. فلأول مرة المتهمون يتقدمهم رئيس سابق هو محمد حسني السيد مبارك, ووزير داخليته حبيب العادلي و 6 من كبار مساعديه.. أما المجني عليهم فهم نفر من الشعب المصري, عدة مئات من القتلي, وما يفوق الألف مصاب بكثير باشرت التحقيق بشأنهم النيابة العامة. وأضاف أن مبارك أقسم علي رعاية الشعب ومصالحه, غير انه حنث عمدا بقسمه, وأصبح يرعي مصالح أسرته وبطانته ومن حوله, خاصة في العقد الأخير من ولايته , حيث استن سنة سيئة لم يستنها أي من سابقيه , وهي توريث الحكم لنجله 'جمال'.. فأفسد الحياة السياسية في مصر وزور إرادة الشعب, وعصف بكل شخصية اكتسبت درجة من الشعبية وأطاح به من موقعه حتي تخلو الساحة لنجله جمال ويتحقق مشروع التوريث. وأشار إلي أنها المرة الأولي التي يحاكم فيها المصريون حاكمهم ورئيسهم, بما يقطع بسقوط الحاكم الفرد بلا عودة وانتهاء الحكم الاستبدادي الذي يعتبر رفيه الحاكم انه فوق الشعب والقانون ولا يخضع للمساءلة. وأضاف قائلا : "إن هذه القضية ستذكر أي حاكم قادم بأنه مسئول عن جميع قراراته وانه سيخضع للمساءلة إذا ما خالف القانون, ولا يوجد في مصر من هو فوق القانون.. وأن هذه القضية لهي دليل قاطع وتذكرة علي أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة, وأن هناك قيدا مشروعا يكبح جماح إرادة الحاكم هو الدستور والقانون, وانه في يوم من الأيام 'الحاكم' سيتجرد من زهو السلطان وسيعود إلي صفوف المواطنين كمواطن عادي". وقال المستشار مصطفي سليمان ممثل النيابة العامة: "إن المصريين هبوا جميعا منذ 25 يناير وجاد البعض منهم بنفسه وضحوا بأرواحهم الطاهرة وسلامة أبدانهم من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والثورة علي الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية وإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية وبداية عهد جديد من الديمقراطية والعدالة والحرية.. أما المتهمون فيتصدرهم الرئيس السابق مبارك, والذي شاءت له الأقدار تولي حكم مصر دون سعي منه, إلا انه رفض أن يترك الحكم بإرادته نزولا علي إرادة الشعب حتي انتزاع منه انتزاعا". وأضاف أن مبارك لم يستجب إلي إرادة الشعب ولم يريح الشعب من شروره وأخطائه الرهيبة.. رئيس خضع لضغوط أسرته لتوريث الحكم لنجله.. فخضع وانصاع لقرينته التي كانت تريد أن تكون أم الرئيس بعد أن كانت قرينة الرئيس.. نسي 'مبارك' أن شعب مصر ليس بالعبيد وأن مصر ليست تراثا أو عقارا يورث".. وأضاف : "إن نظام مبارك كان قد ترهل, حيث كرس الدولة لتوريث البلاد عبر إحكام سيطرة الحزب الوطني علي مقاعد البرلمان بالتزوير, واحتكار السلطة التشريعي سعيا لإنجاح مشروع التوريث .. احتكر السلطة التنفيذية وأبقي علي الفاسدين والعديد من الوزراء والمسئولين الفاشلين علي نحو أدي إلي تفشي الفساد واحتماء الفاسدين بالنظام والسلطة.. تبني سياسات اقتصادية أدت إلي ارتفاع الأسعار, وعدم شعور المواطنين بجدوي تلك السياسات التي خدمت الأغنياء وحدهم علي حساب الفقراء والطبقة المتوسطة.. فازداد الأغنياء ثراء وازداد الفقراء فقرا, واتسعت الهوة بين الطبقات.. وفي ظل هذه السياسات حدث تقهقر فاق الحدود وتراجع وتخلف تعليمي غير مسبوق وفقدان مصر لمكانتها بين الأمم".. وتحدث المستشار مصطفي سليمان ممثل النيابة العامة عن جريمة قتل المتظاهرين خلال الثورة قائلا :" جريمة هي الأبشع في تاريخنا المعاصر.. جريمة قتل المصريين الذين خرجوا يطالبون بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.. جئناكم يا سيادة الرئيس 'القاضي' بأوجاع امهات وآباء مكلومين بأحزانهم والألم من نظام قمعي مستبد تعامل مع المتظاهرين السلميين الشرفاء بقلب ميت .. فقد قست قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة.. لقد صوب النظام 'السابق' بنادقه وأسلحته إلي صدور المواطنين مدفوعا بالخوف من اهتزاز عرشه أو سلطانه"..وأضاف : " هذه المحاكمة ستحدد مستقبل مصر في السنوات القادمة.. وفيها ستكون العبرة والعظة لمن يتولي مقاليد الأمور بعد ذلك".. وأوضح المستشار سليمان ان النيابة قد استقرت علي تقسيم مرافعتها فاصلة بين قضية قتل المتظاهرين, وقضية الفساد المالي.. مشيرا إلي أن خطة المرافعة ستنطوي علي تناول وقائع القضية وحكم القانون والأدلة التي اعتمدت عليها النيابة العامة في وصف الاتهام . وأكد المستشار مصطفي سليمان ممثل النيابة العامة أن المظاهرات كانت سلمية بالكامل وحاشدة للتعبير عن مطالب المتظاهرين في رفع الحد الأدني للأجور, وتوقف كافة أشكال التعذيب للمعارضين والاعتقالات وإقالة وزير الداخلية وإلغاء حالة الطواريء وحل مجلسي الشعب والشوري وتشكيل حكومة جديدة ووقف تصدير الغاز المصري إلي إسرائيل.. وأكد المستشار سليمان أن المتظاهرين السلميين فوجئوا بقوات الشرطة ينهالون عليهم بالأعيرة النارية وطلقات الخرطوش والطلقات المطاطية مستهدفين مناطق الرأس والصدر والبطون, وهي مواضع قاتلة, علاوة علي تعمد سيارات الشرطة دهس المتظاهرين علي نحو أدي إلي وفاة 225 متظاهرا و إصابة 1368 يمثلون الوقائع التي باشرت النيابة العامة التحقيق فيها. ولدي قيام المستشار سليمان بالحديث عن التكييف القانوني للقضية وأدلتها.. طلبت منه المحكمة التطرق إلي هذا الجانب في مرافعته بجلسة الغد 'الأربعاء'.. مشيرة إلي انها تكتفي بسماع هذا الجزء من المرافعة خلال جلسة اليوم.. علي أن تستمر المرافعات غدا وبعد غد.