قال ضاحكًا: لقد قلت لي في بداية الثورة إن 'قطار 52 يناير' تحرك، ولن يوقفه أحد، وسيصل حتمًا إلي المستقبل الجميل، ولقد أعجبني تشبيهك البليغ، وكنت أردده كلما تعطلت الثورة لأي سبب من الأسباب، لكنني اكتشفت بعد الأهوال التي مرت بنا أن ما تسميه أنت ب'قطار قال ضاحكًا: لقد قلت لي في بداية الثورة إن 'قطار 52 يناير' تحرك، ولن يوقفه أحد، وسيصل حتمًا إلي المستقبل الجميل، ولقد أعجبني تشبيهك البليغ، وكنت أردده كلما تعطلت الثورة لأي سبب من الأسباب، لكنني اكتشفت بعد الأهوال التي مرت بنا أن ما تسميه أنت ب'قطار الثورة' ليس أكثر من 'توك توك' متهالك...!! سألته ضاحكًا: ولماذا أنزلت الثورة من القطار وأركبتها 'توك توك'؟! .. قال: لأن للقطار قضبان واضحة ومحطات محددة، وقائدًا محترفًا ونسقًا متكاملاً له قواعده التي تحقق أكبر قدر من السلامة للركاب والعابرين .. أما التوك توك فهو مركبة عشوائية غير مرخصة تسير بلا أرقام ويقودها أي عابر سبيل تسير في أي اتجاه بلا ضابط ولا رابط تكسر الإشارات وتسير عكس الطريق وتستخدم في نقل البشر والبضائع والمخدرات كما تستخدم في الخطف والسرقة بالإكراه والاغتصاب .. إنها مركبة تسير وفق قانون الفوضي وتنشر الفوضي في كل مكان. سألته: هذا عن التوك توك، فما علاقته بالثورة؟! رد مندهشًا: ألم تربط بعد بين هذه الفوضي العارمة وال'توك توك'؟! .. يا صديقي لقد قامت الثورة من أجل العدالة الاجتماعية فإذا بها تتحول إلي أرباح خيالية في جيوب التجار والرأسماليين الذين رفعوا الأسعار واختلقوا الأزمات وتاجروا في الممنوعات والمخدرات والسلع الفاسدة والمهربة وأخيرًا ربحوا أرباحًا خيالية من تجارة السلاح وغسيل الأموال .. ألا تدري أن الأموال القذرة تتدفق الآن علي مصر بالمليارات كي تغسل؟! .. ألا تري آلاف الأبراج التي ارتفعت جهارًا نهارًا دون تراخيص بناء فوق آلاف الأفدنة الزراعية؟! يا سيدي لقد تحولت 'الثورة' إلي 'ثروة' في جيوب الرأسمالية التي دعمها مبارك ومازالت تتحكم في المجتمع حتي الآن .. ولم يقتصر الأمر علي ذلك، فالوحدة الوطنية التي تجلت في أيام الثورة وكانت أحد أسباب نجاحها بدأت تتآكل بفعل فاعل ووصل بنا الأمر في الانتخابات الأخيرة إلي 'فصل طائفي عنصري' تمارسه الاتجاهات الدينية من مختلف الأديان .. بل إن الفرق المتناحرة في فصائل الإسلام السياسي تواجه بعضها البعض بسلاح 'الزيت' وشعاراته .. فالسلفيون يكفرون العلمانيين والمسيحيين كما يكفرون الإخوان والعكس بالعكس مهما تقنعوا بالعقلانية وادعاء التسامح .. قلت: أنت متشائم فخروج الجماهير الغفيرة للمشاركة في هذه الانتخابات إيجابية ضخمة تحسب للثورة، قاطعني قائلاً: لست متشائمًا ولكني أصف لك المشهد 'التوك توكي' بدقة .. الأخطر يا صديقي ان كثيرًا ممن ينتسبون للثورة، ويحملون لقب 'ناشط' محترف تحولوا إلي أباطرة يركبون السيارات الفارهة، ويتشدقون بالمصطلحات الثورية في المحطات الفضائية بعد أن امتدت إليهم أيادي التمويل الأمريكي والخليجي والأوربي بالمليارات سواء كانوا من مدعي الليبرالية أو السلفية، أما أطرف المشاهد 'التوك توكية' في الحياة الثورة، فهو موقف الوزراء في الوزارة الحالية والسابقة فكلهم يتحدثون عن 'خطط مستقبلية' لسنوات وسنوات في حين أن مهمتهم هي 'إدارة الفترة الانتقالية' فقط، الكارثة أنهم يتحدثون عن 'المستقبل' وتحقيق أهداف الثورة ولا يقومون بواجبهم في علاج مشكلات الأمن والأسعار والاستقرار .. لن أحدث عن 'مسخرة' محاكمة مبارك ورجاله، كما لن أحدثك عن 'الفاعل الغامض' الذي قتل شهداء ماسبيرو ومحمد محمود، وفقأ عين المتظاهرين، ووزع 'الحواوشي المسموم' علي معتصمي مجلس الوزراء، وألقي عليهم 'كسر الرخام' من فوق مجلس الشعب، أيضًا لن أحدثك عن كوميديا انتخابات مجلس الشعب الذي سيحله الرئيس الجديد لإجراء انتخابات أخري وفق الدستور الدائم!!! ألا يؤكد لك ذلك كله أن الركاكة والغباء الذي حط علي البلاد منذ حكم مبارك حتي الآن هو الذي يقود 'توك توك' الثورة؟! .. قلت ضاحكًا: هذه الحقبة 'التوك توكية' مؤقتة، وحتمية في نفس الوقت إنها معاناة ولادة الجديد من رحم القديم، ولقد عرفتها ثورات العالم وثورات مصر، وصدقني ستعود الثورة إلي قطارها، وسيختفي التوك توك من التاريخ، وسيصل قطار الثورة حتمًا إلي محطة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .. وإن غدًا لناظره قريب.