كانت صناعات حلج وكبس القطن والنقل والسجائر والأثاث سببًا فى نشأة الصناعات المتعددة حتى بلغ عدد العمال المشتغلين فى المهن المختلفة حوالى 4162554 عاملًا فى عام 1907، وقد أدى تطور تلك الصناعات وغيرها إلى تقلص العلاقات الحرفية والطوائف إلى حد كبير مما يتعين معه إصدار قانون يدشن المرحلة الجديدة المعتمدة على نظام العلاقات الصناعية فجاء قانون )الرخص الصناعية( 1918 ليصنع مبدأ حرية العمل وحرية التصرف لكل شخص قاطن بالديار المصرية أن يمارس أى صنعة أو حرفة أو تجارة أو فن يستثنى من ذلك بأشياء احتكرتها الحكومة ويمكن أن تحتكرها فى المستقبل. وعلى كل شخص أو شركة يمارس فى القطر صنعة أو حرفة أو فنًا أو تجارة غير منصوص على إعفائها فى المادة الثانية من أمرنا هذا أن يدفع عوائد رخصة الصنعة التى يمارسها ويستثنى من ذلك الأجانب والشركات الأجنبية ولم يقتصر التطور على النشاط الصناعى فقط، وانما قد واكبه أيضًا فى النشاط الزراعى بعد تسلم الاستعمار البريطانى لزمام الأمور فى مصر ونشأة طبقة من كبار ملاك الأراضى من الأجانب وكبار الموظفين. وهو ما أدى إلى إلغاء السخرة رسميًا فى عام 1890 بعد 48 عامًا من صدورها قبيل حفر قناة السويس وتحديدًا عام 1856 فى عهد محمد على سعيد باشا. ولم يكن قانون إلغاء السخرة قد صدر بدافع إنسانى أو بسبب الرغبة فى تحسين حال الفلاح أو العامل الزراعى، بل إنه على العكس، فقد صدر بدافع اقتصادى بحت وهو الرغبة فى توفير الظروف والأيدى العاملة للعمل فى المشاريع الصناعية فى الرى، خاصة بعد ازدياد معدلات الهجرة من الريف للمدينة وارتفاع نسبة الهاربين من نظام السخرة. وقد كان الدليل الساطع على زيف ادعاءات الاصلاحيين فى ذلك الوقت أن متوسط أجور العمال فى لائحة السخرة التى أصدرها محمد على سعيد باشا كان يتراوح بين 25- 30 مليم بجانب الجراية اليومية، فى حين أن متوسط الأجور لم يزد بعد إلغاء السخرة على 13 مليم فى اليوم. وكان فى مصر فى هذا الوقت نسبة كبيرة من العمال الأجانب، مما أسهم بدرجة كبيرة فى نجاح آخر، وأهم اضراب شهده القرن التاسع عشر هو اضراب عمال السجائر فى ديسمبر 1899 والذى كان هدفه رفع الأجور، وعلى الرغم من نجاح الاضراب الذى استمر حتى فبراير 1900 إلا أن العمال تيقنوا أن استمرار وحدتهم هو الكفيل باستمرار نجاحهم، وتكونت أول نقابة فى مصر وهى «جمعية لفافى السجائر فى القاهرة», التى ترأسها طبيب يونانى يدعى «كريازى» وسرعان ما انتشر خبر وتجربة عمال صناعة السجائر إلى زملائهم العمال فى صناعات أخرى، حيث تكونت بعد ذلك العديد من الجمعيات مثل: «جمعية اتحاد الخياطين بالقاهرة وجمعية عمال المطابع وجمعية السجائر فى الإسكندرية وجمعية كتبة المحامين» لتتوج كفاح الزعيم محمد فريد المدافع الأول عن حقوق العمال، ففى 29 يوليو 1908 وعلى صفحات جريدة اللواء يكتب مطالبًا بقانون للعمالة: كما كتب فى مذكراته لا يوجد بمصر قوانين خاصة بحماية العمال ولا قوانين تعيين سن العمال ولا عدد الساعات التى يجب أن يقضيها العامل فى الشغل، ثم أعقب ذلك فى نفس الوقت قيام محمد فريد بإنشاء عدد من مدارس الشعب انتشرت فى العديد من أحياء القاهرة مثل بولاق وشبرا ثم امتدت إلى الأقاليم، الإسكندرية والمنصورة وطنطا، مما كان له الأثر الأكبر على إنشاء الكيان النقابى الأقوى فى ذلك الوقت وهو - نقابة الصنائع اليدوية - والتى وصل عدد أعضائها إلى 800 عضو فى نهاية 1909، وجاء إعلان الحماية على مصر عام 1914 مع حملة هجوم استعمارى على الطبقة العاملة فاعتقل عدد كبير وهدوء فى صفوف الحركة العالمية حتى بداية ثورة 1919. وتشكيل لجنة توفيق بين العمال وأصحاب العمل وكانت الطبقة العاملة المصرية قد وعت ضرورة التحام نضالها الاقتصادى والاجتماعى بالنضال السياسى والوطنى من أجل الاستقلال، لذلك التحم نضال الطبقة العاملة بالحركة الوطنية وأكسبها درجة عالية من الجمهورية والتنظيم وضح أثره من الكم الهائل من الاضرابات العامة التى شهدتها مصر على اختلاف أرجائها والتى لم تهدأ حتى انصاع مجلس الوزراء آنذاك إلى إرادتهم، وقام بتشكيل لجنة تنسيق بين العمال وأصحاب لأعمال استطاعت من خلالها الطبقة العاملة تسنين شروط العمل ليس فقط على مستوى الشركات والمؤسسات الكبرى ولكن حتى على مستوى المحال التجارية والورش الصغيرة، وقد كان من أهم ما أنجزته تلك اللجنة هو قرار مضاعفة الأجور وسريان يوم العمل بثمانى ساعات فى العديد من الشركات ومنح العمال إجازة سنوية ومكافأة نهاية الخدمة بواقع شهر عن كل سنة خدمة وفرض نسب من المرتب عن أيام الإصابة أو المرض، فضلًا عن ترسيخ قناعتهم بأهمية توحدهم فى مواجهة رأس المال المتمثل فى الشركات الاستعمارية المصرية، أثره الكبير فى انتشار حق تكوين النقابات حتى بلغت فى أوائل العشرينيات نحو 95 نقابة مقسمة ثم صدور أول قانون ينظم نقابات العمال فى مصر 1942، ومن هنا لجأت حكومة الوفد إلى محاولة إرضاء الجماهير والعمال وذلك بإصدار القانون رقم 85 لسنة 1942 بشأن الاعتراف بنقابات العمال، ولكنه كان قانونا لا يرقى حتى إلى مستوى الأمر الواقع، بل عمل على أن ينقص تلك المكتسبات التى حققتها الطبقة العاملة، مثل إهدار هذا القانون لحق عمال الزراعة والممرضين وعمال المستشفيات ومن فى حكمهم من الاندراج تحت لواء النقابات للمطالبة الأخرى وهى الغاء لائحة الجزاءات ووقف فصل العمال.