" في مجتمعنا المصري تختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية وكذلك المعتقدات الدينية ، فمنذ القدم عاشت علي أرض مصر أديان سماوية مختلفة ولم يبق سوي الاسلام والمسيحية، وبرغم كل الاختلافات السابقة فقد رأينا كيف انصهرت كل هذه الاختلافات وضاعت معالمها حينما إنتفض الشعب المصري ليصنع ثورة 25 يناير المباركة، ولم يكن أحد يعلم ما إذا كان من يجاوره في المظاهرة هو مسلم أم مسيحي، فقط كان يعلم أنه مصري مثله " لقد كان التعايش الوطني بين المتظاهرين نموذجاً عملياً لن تكفي الكتب والمقالات والشعارات أن تصفه، لقد كانت حالة إندماجية رائعة بين كل أطياف الشعب المصري لم تشهدها مصر بهذا الشكل منذ حرب أكتوبر 1973، ثمة روح جديدة قد نمت بين المصريين بعضهم البعض لم نعهدها في ظل نظام سابق كان يبث الفتنة ويدّعي أنه يقاومها ، لكن للأسف سرعان ما بدأت روح الفتنة تنمو مرة أخري نتيجة حوادث فردية بين أفراد من الطرفين، فيصورها الإعلام علي أنها فتنة تشمل كل المسلمين والأقباط ويبدأ بعدها صدامات علي نطاقات واسعة وينتج عن ذلك خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. إن مثل تلك الأفعال ما هي إلا مقدمات لثورة مضادة لتطيح بما أنجزه الشعب عندما كان يداً واحدة، إن الوطن الآن قد بات في أمس الحاجة إلي توفير جهدنا لنبذله في تعمير الوطن وبنائه ، لكننا نتغافل عن البناء و الاصلاح و نتجه نحو خلافات لا تحلها الاعتصامات و التظاهرات بل الحوار و النقاش، وفي خضم الأحداث .. تحولنا إلي قنابل موقوتة موجودة في الشوارع وعلي الأرصفة ننتظر من ينزع فتيلها كي ننفجر ! ، أشعر بالحزن لما أراه علي شاشات التلفزيون من أحداث شغب وعنف أمام ماسبيرو ، أشعر و كأن الشاشة قد تحولت إلي مشهد من النيران ..حتي إنارة الأعمدة تلهمني إحساساً بالنيران التي تحرق مصر بأكملها ، أفجعتني الكلمات البسيطة لمجند الجيش الذي يتألم من إصابته وهو يقول: " زميلي مات جنبي .. زميلي مات جنبي ! " ، كم هو مفزع أن تري أخاً لك في الانسانية 'وليس الوطن فقط' يُقتل بجوارك ! ، إصابات عديدة و قتلي وكأننا في معركة بين مواطنين من دولة و جيش من دولة أخري ! ، بإختصار شديد : إن مصر ألان تنزف ... فلا تقتلوها يا أبناء مصر . ان الحوار هو الوسيلة الوحيدة الفعالة للتعامل مع الآخر للتفاهم علي نقاط تشكل اختلافًا في وجهات النظر، ولو اعتمده الجميع لما كانت هناك تلك الإشكاليات التي تحدث من الحين للآخر والتي كان يكتفي النظام السابق بتهدئتها دون وأدها والتخلص من جذورها تماماً بعد فهم مسبباتها ، فأياً كان الدين .. فإن من يتبعه يتمسك بالقيم الإنسانية انطلاقاً من مبادئ سماوية يتلقاها ويعتنقها، ومنها احترام الآخر والتفاهم معه ،ومن هنا ينبثق الحوار بتبادل الآراء فيه، ولو اعتمد الجميع الحوار سبيلاً لما كانت هناك نزاعات دينية وطائفية، ولما كنا نعاني من مشكلات تهدّد كيان الوطن من حين لآخر، أتمني أن تقودنا الروح الطيبة التي إكتسبناها من ثورة يناير إلي التوافق علي عيش مشترك صحيح بين أبناء الدينين في الوطن الواحد، يجمع بينهما احترام الانسان ومعتقداته، يتجلي بالانفتاح علي الآخر، في ظل روح وطنية مشتركة، يقرّ بها المصريون ويعلنون لها الولاء والانتماء.