إن الأم كلمة صغيرة وحروفها قليلة لكنها تحتوى على أكبر معانى الحب والعطاء وهى أنهار لا تنضب ولا تجف ولا تتعب متدفقة دائمًا بالكثير من العطف الذى لا ينتهى وهى الصدر الحنون الذى تلقى عليه رأسك وتشكو إليه همومك ومتاعبك وهى بما تملكه من خصائص وخصال أودعها الخالق سبحانه وتعالى فيها هى حجر الأساس لكل أسرة ولكل بيت وهى أيضًا المدرسة الربانية التى يتعلم فيها الأبناء أول دروسهم فى الحياة وقد يكون الأب مشتركًا فى بعض المهام مع الأم فى تربية الأبناء وتحمل المسئولية إلا أن دور الأم يكون بمثابة اللبنة الأولى التى توضع لبناء الطفل، فهى الحب والحنان وهى المشاعر الصادقة فلا يوجد أصدق من الأم فى الحب والعطاء والتضحية. ولقد كرمها الله فى كتابه العزيز فى آيات كثيرة فقال عز من قائل «ووصّينا الانْسانَ بوالديهِ حملتهُ أمهُ وهنًا على وهن وفٍصالُهُ فى عامين». كما قال أيضًا «ووصّينا الانْسانَ بوالِدَيهِ إحسَانَا حملتْهُ أمٌهُ كُرْهًا ووضَعتْهُ كُرْهًا وحَمْلُهُ وفصَالُهُ ثلاثونَ شهرًا» وفى الآيتين يبين الله عز وجل ما تحملته الأم من معاناة فى حمل الأبناء وتربيتهم والسهر على راحتهم وفى الآيتين أيضًا توصية من الله للأبناء بحسن رعاية الوالدين والعمل على راحتهم فى الكبر كما سهروا هم على راحة الأبناء فى الصغر فيقول عز من قائل «وقُلْ رًبِّ ارْحمْهُما كَما ربًيانِى صَغِيرًا» وقال أيضًا على لسان عيسى ابن مريم «وَبَرًا بوالِدتى ولم يجعلنى جَبًارا شقِيًا». وفى السُنّة النبوية أخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعظيم أجر بر الأم فى أحاديث كثيرة منها عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتى قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك» وهنا أكد الرسول الكريم فى معنى الحديث أن الأم هى اولى بالصحبة من أى أحد للابن وقد كررها الرسول الكريم ليثبت ذلك للصحابى وللأمة جميعها مكانة الأم ومنزلتها العظيمة وما تستحقه من عناية كبيرة فهى التى ربت وهى التى قاست وكابدت الآلام وتحملت من الصعاب فى سبيل رعاية ابنائها فقد قاست فى الحمل وعند الولادة وفى الرضاعة مالا يطيقه الرجال الشداد ثم كم عانت وهى ترعى أطفالها حتى يكبروا وتميط الأذى عنهم وهى راضية وتصبر سنين طويلة دون كلل أو ملل فكانت هى أولى الناس ببر أبنائها وحسن صحبتها ولقد كان لنا فى سلفنا الصالح القدوة الحسنة فقد ضربوا لنا أروع الأمثلة فى بر الوالدين.(فعن أبى حازم ابن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبى طالب أخبر أنه ركب مع ابى هريرة إلى أرضه بالعقيق فإذا دخل ارضه صاح بأعلى صوته عليكِ السلام ورحمة الله وبركاته يا أمتاه تقول وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يقول رحمك الله ربيتنى صغيرًا فتقول يابنى وأنت فجزاك الله خيرا ورضى عنك كما بررتنى كبيرًا وعن أسماء بنت ابى بكر رضى الله عنهما قالت قدمت على أمى وهى مشركة فى عهد رسول الله فاستفتيت رسول الله قلت قدمت على أمى وهى راغبة أفاصل أمى قال نعم صِلى أمك. إن دور الأم فى المجتمع هو حجر الأساس الذى يوضع لتأسيس مجتمع مربٍ على الفضائل والأخلاق الحسنة لتنهض الأمة وتتقدم وتستقيم كما أن رسالة المرأة فى المجتمع تتعدى مهمة التربية إلى مهمة اعداد جيل من الأبناء يحسن التعامل مع مجتمعه ويحسن العطاء وكلما كانت الأم متعلمة ومثقفة فهى هنا تحارب الجهل والتخلف وتقوم باعداد وتنوير وتثقيف جيل من الأبناء نافع للمجتمع جيل يعرف ويقدِّر معنى كلمة الوطن وقد قال أمير الشعراء احمد شوقى عن الأم ودورها فى المجتمع (الأم مدرسة اذا أعددتها...أعددت شعبا طيب الأعراق). من هنا نرى قيمة وفضل الأم برغم ما تلاقيه من متاعب على يد الابناء لكنها أبدًا لا ترضى لهم مكروهًا بل تدعو الله على الدوام أن تستقيم حياتهم. فعلى الأبناء أن يدركوا قيمة وجود الأم فى حياتهم وإذا كانت الأم مدرسة لاعداد الأجيال فأمهات الشهداء أيضًا صاحبات مدارس خاصة فى تخريج الأبطال الذين يضحون بأرواحهم فداء لوطنهم فتحية لكل أم شهيد فقدت فلذة كبدها ولكل زوجة فقدت عائلها.