الأربعاء الماضي.. صوّت مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة «صوت واحد فقط اعترض علي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب والمعروف باسم قانون (جاستا) الذي يجيز لعائلات وأقارب ضحايا 11 سبتمبر 2001 رفع دعاوي تعويضات من المملكة العربية السعودية، بينما حظي بموافقة وتأييد 97 صوتا من أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100 عضو.. علمًا بأن إسقاط الفيتو الرئاسي كان يتطلب موافقة 67 صوتا فقط. بعده مباشرة عاد مجلس النواب الأمريكي للتصويت من جديد علي مشروع القانون في محاولة لإسقاط الفيتو الذي تقدم به الرئيس أوباما في الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي، فجاء التصويت مؤيدًا للقانون ورافضًا للفيتو الرئاسي بأغلبية 348 صوتا في مقابل 77 صوتًا عارضوا القانون. هذا هو التصويت الثاني للكونجرس بمجلسيه علي القانون الذي أصبح الآن خطرًا علي المملكة العربية السعودية. هذا التصويت يعني الإطاحة بفيتو الرئيس باراك أوباما ضد القانون، وهو سقوط مخجل، ويكشف عن اتجاه حاقد داخل الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ ضد المملكة. وتعد المرة الأولي التى يسقط فيها الكونجرس فيتو لأوباما بعد نحو 12 فيتو كان قد تقدم بهما خلال ولايتيه. وفقا للدستور الامريكي، رفض الكونجرس للقانون سيسفر عن إقراره، وفي حال تفعيل هذا القانون، فمن شأنه أن يرفع الحصانة السيادية التي تمنع إقامة دعاوي قضائية ضد حكومات الدول التي يثبت أن مواطنيها شاركوا في هجمات إرهابية علي الأراضي الأمريكية. هذا القرار وإقرار القانون يشكلان انقلابًا أمريكيًا كاملاً علي التحالف الاستراتيجي الوثيق بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية، والذي استمر لسبعين عاما، والذي كان ينظر إليه علي أنه «وثيق» بين الطرفين، والذي وضع أسسه الراحل السعودي المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت، علي ظهر السفينة الحربية في قناة السويس عام 1945. ويعد هذا التصويت المؤيد لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب انتقاميًا، وغير منصف؛ لأن تحقيقات لجنة الكونجرس الأمريكي في أحداث 11 سبتمبر، برّأت المملكة العربية السعودية من أي دور رسمي، مباشر، أو غير مباشر في الهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001.. فيما بعض الخبراء يعتبرون أن هذا القانون جاء بعد انتهاء حاجة أمريكا من النفط السعودي، وبعد إيجاد مصادر بديلة للنفط، وعلي رأسها )النفط الصخري( الذي تنتج منه عشرة ملايين برميل يوميا.. ذلك في الوقت الذي علق فيه مدير الاستخبارات الأمريكية جون برنيان علي القانون بالقول: «كل مسئولي الأمن القومي الأمريكي يقدرون خطورة هذا التشريع علي مصالح أمننا القومي، ويعرفون كيف سيؤثر عليها سلبًا». وبمقتضي هذا القرار أصبحت السعودية في مرمي الابتزاز المالي والسياسي، وبشكل غير مسبوق في تاريخها، خاصة أنها ومن المرات القليلة في تاريخ المملكة التي تواجه فيها عجوزات ضخمة في ميزانياتها. ومعروف أن السعودية تمتلك 750 مليار دولار، عبارة عن «استثمارات وودائع وأصول مالية في البنوك الأمريكية،من بينها 119 مليار دولار عبارة عن سندات خزانة، من المؤكد أنها ستكون في بداية الأموال التي سيتم وضع اليد عليها وتجميدها لصالح حملة الابتزاز بالتعويضات التي ستبدأ بمجرد أن يبدأ القانون في اتخاذ صيغته التنفيذية.. وفي هذا لم تكترث أمريكا بتهديدات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والتي أعلنها مؤخرًا بأن بلاده سوف تسحب هذه الأموال من البنوك الأمريكية إذا ما اعتمد الكونجرس مثل هذا القانون. ويقدر الخبراء حجم التعويضات المطلوبة لضحايا أحداث 11 سبتمبر بنحو 3,3 تريليون دولار.. وهذا يعني أن أمريكا سوف تعمل علي رهن النفط السعودي مقابل تسديد هذه التعويضات. إذا ما تفاقمت الامور. بلا شك، فإن الفترة المقبلة سوف تكون بالغة الصعوبة ضد السعودية بعد الطعنة السامة التي تلقتها من أقرب الحلفاء.. ولكن يحق للسعودية إلغاء مبدأ الحصانة السيادية أو القضائية عند التعامل مع مواطني الولاياتالمتحدة، طبقًا لمبدأ المعاملة بالمثل. وبالإجمال، فإن ما حدث يكشف أمرين أساسيين: أولهما أن ما يحدث مع السعودية هو استكمال لما سمي بالربيع العربي، فبعد كل ما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وبعد أن فشلوا في مصر، ها هو الدور قد جاء علي المملكة. ثانيا أن ما يحدث يذكرنا بأن السعودية كانت في مخططات الغرب هدفًا استراتيجيا، وكانت مصر الجائزة الكبري لهم، لم يستطيعوا تطويع مصر لإرادتهم، فاستداروا للهدف الاستراتيجي، وهو المملكة العربية السعودية. فهل نتعلم ونعي حقيقة ما يدبر لنا جميعا.. وبلا استثناء؟!