مع قرار غلق المشهد السورى وانتقال الصراع إلى وسط وجنوب آسيا على طريق الحرير الصينى بدأت ملامح تشكيل تكتلات اقتصادية وقوى نووية وتحالفات تجارية تظهر فى الآفق على خريطة الجغرافيا السياسية الدولية تعيد تشكيل موازيين القوى العالمية الجديدة على خطوط التماس للحرب العالمية الثانية. )1( تكتلات اقتصادية أعلنت مجموعة البريكس بقمة فورتاليزا بالبرازيل فى 14 يوليو 2014 إنشاء صندوق احتياط نقدى ومصرف بريكس للتنمية, كبديل لصندوق النقد الدولى والبنك الدولي, أى كبديل عن نظام الدولار الأمريكي. وفى أبريل 2015 بدأت فى دراسة فكرة تأسيس وكالة تصنيف ائتمانى مستقلة داخل المجموعة لتقييم الاقتصادات بشكل مستقل وموضوعى بعيدا عن التسييس. وفى 9 يوليو 2015 قامت البريكس بعقد قمة مشتركة مع شانغهاى للتعاون فى باشكورستان الروسية. وفيها أُعلن عن تفعيل دور الصندوق والبنك مناصفة بقيمة 200 مليار دولار. إذن نحن أمام تكتل اقتصادى آسيوى موازٍ لاقتصاديات العولمة أصبح بؤرة جذب لدول من خارج الإقليم. )2( قوى نووية عسكرية تمخضت قرارات قمة شنغاهاي-البريكس عام 2015 عن انضمام الهند وباكستان إلى المنظمة ما يعنى من المنظور النووى العسكرى تحالفًا آسيويًا جديدًا يتألف من أربع دول نووية تحقق توازنًا استراتيجيًا مع العالم الغربى الذى يضم ثلاث قوى نووية تدير برنامج الدرع الصاروخية النووية الدفاعية على الأراضى الأوربية. )3( تحالفات تجارية بعد إبرام الاتفاق النووى الإيرانى يوليو 2015 ومع رفع العقوبات الاقتصادية أصبحت إيران مؤهلة تمامًا كدولة مركزية لتشكيل تحالفات تجارية مع دول شنغهاى–البريكس، فقد عُقد فى العاصمة الأذرية «باكو» 9 أغسطس 2016 اجتماع على مستوى رؤساء دول روسيا-إيران-أذربيجان للاتفاق على إحياء أتفاقية مايو 2002 بين روسيا-الهند-إيرن التى رسمت خارطة مشروع ممر الشمال-الجنوب )NSTC( لربط نقل البضائع بين جنوب آسيا بشمال وغرب أوربا عبر طريق بطول 7200 كم يمتد من مومباى الهندية بطول الساحل الغربى لبحر قزوين إلى روسيا مرورا بإيرانوأذربيجان ومنه إلى شمال وغرب أوربا ثم يدور دورته ليصل إلى الهند مجددا عبر قناة السويس التى تعود لترتبط بريًا بوسط آسيا وروسيا. ممر الشمال-الجنوب بممراته البحرية والبرية ما زال قيد الدراسة إلا أن حجم البضائع التى عبرت فى الممر المائى عام 2015 زادت بنسبة 4.1% على العام السابق. البضائع التى نُقلت من الهند إلى باكو الآذرية واستاراخان الروسية عبر ميناء بندر عباس جنوبإيران قلصت مدة النقل من 41 يومًا عبر قناة السويس إلى 14 يومًا عبر الممر وخفضت التكلفة بقيمة 2500 دولار لكل 15 طن بضائع. الممرات البرية تمثل الحلقات المفقودة لربط ممر الشمال-الجنوب والتى تلعب فيه إيران دورًا محوريًا عبر خطوط سكك حديدية تربط بين دول وسط آسيا بإيران، وأخرى تربط إيرانبروسيا عبر الأراضى الأذرية كالآتى: )أ(- خط رشت–أستارا: مشروع خط سكة حديد بطول 165 كم على طول الساحل الغربى لبحر قزوين يبدأ من مدينة رشت بشمال غرب إيران على بحر قزوين وينتهى عند أستارا آخر مدن الشمال الإيرانى على قزوين مشتركة الحدود مع أذربيجان. بإتمام هذا المشروع عام 2015 تم الربط البرى بين سكك حديد روسيابإيران مرورا بأذريبيجان لتسهيل التبادل التجارى ونقل البضائع بين جنوب آسيا )الهند( وأوربا. )ب(- خط كازاخستان-تركمانستان-إيران: خط سكة حديد بطول 677كم حول بحر قزوين يربط بين مدينة أوزين جنوب غرب كازاخستان بطول 137كم )انتهى فى مايو 2013(، بمدينة بركات شمال غرب تركمانستان بطول 470 كم، لينتهى فى مدينة جرجان شمال شرق إيران بطول 70كم. الخط بتمويل حكومى مشترك )630مليون دولار( يشق طريقه حتى منطقة الخليج العربي. )ج(- خط أرمينيا- إيران: خط سكة حديد بطول 316 كم بتكلفة 3.5 مليار دولار بين جنوبأرمينياوإيران وقد بدأ العمل فيه يوليو 2012، ودخلت روسيا باستثمارات 15 مليار روبيل لتطوير خطوط السكك الحديدية بأرمينيا ليربط هذا الطريق موانئ البحر الأسود بموانئ الخليج العربى ويعد أقصر الطرق لنقل البضائع بين أوربا والخليج العربى وهو طريق يشكل خطرًا داهمًا على قناة السويس لاحقًا. لم تكتف إيران بتوصيل الحلقات المفقودة لهذا الممر فقط بل عملت على التوازى فى إنشاء وتطوير موانيها على بحر قزوين والخليج العربى لدمجها بخطط طويلة الأجل بالممر. إذ قامت الهند بالحصول على امتياز تطوير ميناء تشابهار على بحر العرب وفق اتفاقية 2002 ورغم تحذير واشنطن لها بعدم تنفيذ الاتفاقية قبل إبرام الاتفاق النووى مع إيران فإن الهند ضربت بهذه التحذيرات عرض الحائط وبدأت فعليًا فى تطوير الميناء وهناك خطط توسعية لرفع قدرات الميناء لاستقبال البضائع من 2.5 : 12.5 مليون طن وتطمح الهند فى الربط مع أوربا عبر هذا الميناء الذى يخفف الضغط عن ميناء بندر عباس على الخليج العربي. أيضًا دشنت إيران ميناء أستارا على الجنوب الغربى لبحر قزوين بتكلفة 22 مليون دولار مارس 2013 وتسعى لزيادة قدراته الاستيعابية من 600 ألف إلى 3 ملايين طن. إذن أصبحت إيران الدولة المركزية التى تسعى كافة دول العالم لاستعادة علاقاتها التجارية معها، فيما تسعى موسكو لإقناع بكين بانضمام طهران بشنغهاى، وتبدو أنقرة عازمة على الجنوح لهذه التكتلات الآسيوية بينما لا تزال القاهرة على محاولاتها الدخول فى هذا الحلف بتطوير موانئها وشبكة الطرق البرية للربط مع أفريقيا وبتشكيل علاقات ثنائية منفردة مع كل دولة من دول شنغهاى–البريكس لحين الخروج الكامل من عباءة المعسكر السعودى–الإسرائيلى–الغربى. كاتب جيوسياسى