قررت ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما عدم نشر صور قالت انها التقطتها للشيخ أسامة بن لادن بعد إطلاق النار عليه وقتله أمام أطفاله وزوجته. تحت ذريعة انها صور بشعة يمكن أن تثير حالة من الحنق في أوساط المسلمين عامة، وأنصار زعيم تنظيم 'القاعدة' خاصة. هذه الحجة مردود عليها، ومن السهل تفنيدها، فاذا كان الشيخ أسامة قد استشهد فعلاً في عملية الهجوم الأمريكية وفق توصيف مريديه. فان استشهاده في حد ذاته دافع أساسي للغضب والسعي للانتقام، اي ان نشر الصورة، مشوهة كانت او سليمة، لن يغير من هذه الحقيقة شيئاً، ولن يضيف الا القليل القليل لمشاعر الغضب والحنق هذه. الإدارة الأمريكية تكذب، ولديها حتماً ما تريد إخفاءه، ومنع اطلاع الرأي العام عليه، سواء داخل الولاياتالمتحدة أو خارجها، والسلطات الباكستانية متواطئة معها في هذا المضمار. فهل يعقل ان تصل مروحيات أجنبية الي منطقة تبعد بضعة أمتار عن اهم كلية عسكرية في البلاد، وبضعة كيلومترات عن مصنع اساسي للذخيرة، وتهاجم احد المنازل في بلدة 'ابوت اباد' وتقتل مجموعة من السكان وتخطف جثثهم، في عملية استغرقت ما يقرب الساعة دون ان يتصدي لهم احد؟ الرواية الأمريكية مرتبكة ومليئة بالثقوب حاول المتحدثون ترقيعها بين الحين والآخر، ولكن دون ان يقنعوا احداً. ففي البداية قالوا ان المنزل الذي اغتيل فيه الشيخ بن لادن وابنه وبعض مرافقيه كان فخماً باذخاً، لنكتشف بعد ذلك، وبعد دخول الكاميرات والصحافيين انه كان منزلاً عادياً جداً قدر خبراء العقار بالمنطقة ثمنه ب161 ألف دولار امريكي فقط. ولا توجد فيه مكيفات هواء ولا ثلاجات ولا تلفزيونات، وأدوات الطبخ فيه عادية جداً، وهذا ليس غريباً، فقد اكد أبناؤه الذين هربوا من أفغانستان او السودان حيث اقام شدة تقشفه، ومنعه إدخال اي حلويات او طعام لذيذ، او حتي ثلاجات ومراوح حيث تصل درجة الحرارة الي اكثر من خمسين درجة في الصيف. اما الكذبة الاخري فتتلخص في القول بأن الرجل استخدم زوجته كدرع بشري، وانه اطلق النار علي المهاجمين، لنكتشف انه كان اعزل باعتراف الامريكيين انفسهم، وان زوجته اليمنية امل السادة اصيبت في ساقها، وجري اعتقالها مع بقية اطفاله من قبل القوات الباكستانية. إن اقدام الرئيس الامريكي باراك اوباما علي اعطاء الاذن بقتل انسان اعزل يكشف انه ليس رئيساً لدولة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان وتلتزم بحكم القانون والقضاء العادل، وانما كأنه رجل يقود عصابة تحترف القتل والخطف والارهاب. فدولة القانون والحكم الرشيد تعتقل المجرمين او الارهابيين وكل الخارجين علي القانون وتقدمهم الي محاكم عادلة، تصدر احكاماً في حقهم. هذا ما فعلته دول الحلفاء اثناء محاكمات نورنمبرغ، وهذا ما طبقته علي عتاة النازيين الذين تسببوا في قتل اكثر من اربعين مليون انسان اثناء الحرب العالمية الثانية. ولا نعتقد ان الشيخ اسامة بن لادن اكثر خطورة من هؤلاء.. فهل جري التعاطي معه بهذه الطريقة الوحشية لانه انسان عربي ومسلم؟ نتوقف مرة أخري حول مسألة 'دفن' زعيم تنظيم 'القاعدة' في البحر، ووفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، حسب اقوال المتحدث الأمريكي، فمن هو المفتي الذي اصدر هذه الفتوي، ومن هو الشيخ الذي ام صلاة الميت، والي اي من كتب الشريعة استند. جميع المذاهب الإسلامية الاربعة تحرم دفن الميت في البحر الا في حالات الضرورة القصوي، كانعدام وجود اليابسة او لبعدها اياماً، ومن منطلق الخوف علي جثته من التعفن. وما حدث ان الشيخ بن لادن نقل من البر الي البحر بعد قتله. ثم ماذا عن جثامين نجله ورفاقه الثلاثة الآخرين هل دفنوا بالطريقة نفسها؟ ثم اي حرص علي الشريعة الإسلامية هذا الذي يتحدثون عنه بعد قتل الرجل بدم بارد بعد اعتقاله، حسبما ورد علي لسان زوجته وابنته الصغيرة '11 عاماً'، ثم القاء جثمانه في البحر لأسماك القرش التي يزخر بها بحر العرب. هذه ليست تصرفات دولة تقول أنها ديمقراطية وتتزعم العالم الحر، وتنصب نفسها مدافعاً عن حقوق الانسان، وترويج هذه الروايات المفبركة والمفضوحة حول عملية الكذب تنسف كل ادعاءات الشفافية. إن اغتيال زعيم تنظيم 'القاعدة' لتجنب تقديمه الي المحاكمة، يتم للسبب نفسه الذي رفضت وترفض فيه الولاياتالمتحدة الإفراج عن السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي الاسبق، وفبركة اتهامات له لإصدار احكام تبقيه خلف القضبان حتي وفاته. اي الخوف من ان تكشف محاكمته عن اسرار يمكن ان تدين الولاياتالمتحدة وغزوها لأفغانستان، وربما حتي دورها الخفي في احداث الحادي عشر من ايلول 'سبتمبر'. في إحدي مشاركاتي في الإذاعة والتلفزيون البريطاني للحديث عن اغتيال زعيم 'القاعدة' حدثت مشادة بيني وبين أستاذ جامعي أمريكي متخصص في الإرهاب. سببها معارضته نشر اي صورة للجثمان، والقبول بالرواية الأمريكية كاملة لان الرئيس الامريكي لا يكذب.. وعندما أشرت إليه الي كذبة جورج بوش الابن الشهيرة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية استشاط غضباً. في برنامج آخر قال أحد المذيعين بأن الشيخ بن لادن إرهابي قتل الآلاف من الغربيين والمسلمين، ولا يستحق ان يقدم الي محاكمة عادلة او الدفن بكرامة. فقلت له هل أقدمت الحكومة البريطانية علي قتل الإرهابيين الايرلنديين، وقذفت بجثثهم في البحر مثلما فعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ والاكثر من ذلك هل قتلت الادارة الامريكية مفجر مبني محافظة اوكلاهوما، ام قدمته الي محاكمة عادلة؟ الأكاذيب الأمريكية تؤدي الي حروب واحتلالات، ومقتل مئات الألوف من الأبرياء في العراق وقبلها في أفغانستان، ولم نر اي رئيس أمريكي يقدم الي القضاء بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بل نراهم يكرمون في جنازات رسمية وسط عزف الموسيقي الجنائزية وإطلاق قذائف المدفعية إجلالا وتكريماً. لا نستغرب موقف الإدارة الأمريكية، ولكننا نستغرب موقف الحكومة السعودية، فإذا كانت لا تعترف 'بسعودية' الشيخ أسامة بن لادن، لأنها أسقطت عنه جنسيتها، فإن أطفاله ما زالوا سعوديين. وكنا نتمني لو أنها أمرت سفارتها في إسلام اباد بمتابعة قضية هؤلاء الأطفال، والاطمئنان علي أحوالهم، بل وإصدار جوازات سفر لهم للعودة الي بلادهم وأهلهم. ثم اننا لا نعرف لماذا ترفض هذه الحكومة استلام جثة الشيخ أسامة، والسماح لأهله بدفنه علي الطريقة الإسلامية بما يحفظ كرامته كمسلم، فقد سلمت جثة جهيمان العتيبي المتهم بالإرهاب واقتحام المسجد الحرام في مكة والمتسبب بمقتل العشرات، بعد تنفيذ حد الإعدام فيه وأتباعه. فمن حق أسرة بن لادن ان تسترد جثمان ابنها وان اختلفوا معه وعملياته الإرهابية مثلما قالوا في بياناتهم التي تنصلوا فيها منه ومن انتسابه اليهم. بقيت نقطة أخيرة، وهي تتعلق بهيئة كبار العلماء وشيوخ المملكة العربية السعودية، فالإسلام والدعوة إليه لا ينحصران في إصدار فتاوي تؤيد الحاكم وتبرر أفعاله، او شؤون الحيض والنفاس. وإنما تمتد أيضا الي مسألة قتل إنسان ورمي جثته في البحر، ونشكر شيخ الجامع الأزهر الشيخ احمد الطيب الذي لم يتردد لحظة في إدانة هذه المسألة منطلقاً من واجبه كمرجعية إسلامية عليا. سنظل متمسكين بشكوكنا حول الرواية الأمريكية، ومطالبتنا بأدلة واضحة تؤكد اغتيال الرجل، ونجله ومن معه، أدلة من مصادر محايدة أيضا، فقد علمونا في الصحافة ان الخبر الصادق هو الذي يؤكده مصدران علي الاقل. وهذا لم يحدث حتي الآن. كما إننا ننتظر بياناً من تنظيم 'القاعدة' او حركة طالبان باكستان او أفغانستان يميط اللثام عن الألغاز الكثيرة التي تحيط بهذه العملية الأمريكية الهوليودية.