قام سامح شكري وزير الخارجية اليوم الأحد، بالقاء كلمة أمام اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، وقد جاءت الكلمة كالتالي : معالي الوزير أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية لدولة الإمارات العربية الشقيقة، معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، أصحاب السعادة، الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسمحوا لي في مُستهل كلمتي بأن أتقدم باسم بلادي بخالص التهنئة لسمو الشيخ/ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية الشقيقة علي توليه مهام رئاسة الدورة الرابعة والأربعين بعد المائة لمجلس جامعة الدول العربية، وأتطلع للتعاون الوثيق معه لدفع مسيرة عملنا العربي المشترك في تلك المرحلة الدقيقة والمفصلية من تاريخنا. كما أتقدم بالشكر والتقدير للأخ والصديق السيد ناصر جودة وزير خارجية المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة علي قيادته الرشيدة لاجتماعات الدورة السابقة لمجلس جامعة الدول العربية، والتي جاءت في توقيت بالغ الدقة لأمتنا العربية. والشكر والتقدير موصول أيضاً لمعالي الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية لإدارته الحكيمة لشئون جامعتنا العربية في بحر من تهديدات عاتية تموج بها منطقتنا العربية. أصحاب السمو والمعالي، إن نهر الدماء العربية مازال يتدفق في العديد من أقطارنا علي يد جماعات الإرهاب الأسود الذي بات يُهدد الشعوب العربية، حيث لا توجد دولة بمنأي عن هذا الخطر. إن قوي الظلام أصبحت تترصد أمننا القومي وأمن شعوبنا العربية بُغية هدم بنيان الدولة الوطنية وتفكيك مؤسساتها واستنزاف مواردها. كما أن الإرهاب لا يفتقر إلي أطراف تغذية بالتمويل والسلاح وتقنيات الإعلام الحديثة، بهدف بث الفرقة والفتن والترويج للقتل والذبح تحت راية الدين. إن هذا التحدي الجسيم يفرض علينا مسئولية كبيرة في صون مقدرات الأمة العربية وحماية حاضرها ومستقبلها. وأطمئنكم أن مصر، انطلاقاً من واجبها الوطني ومسئوليتها القومية، لن تقف مغلولة الأيدي أمام من يعبث بأمن أمتنا العربية، وبالتالي علينا الاضطلاع بمسئوليتنا في حماية شعوبنا من خلال رؤية مُتكاملة للمواجهة الصارمة لهذا الخطر المُنتشر حولنا. لقد باتت مواجهة الإرهاب أولوية قصوي تستلزم إستراتيجية خلاقة لتحصين الأجيال القادمة واستئصال هذا المرض الخبيث، بما في ذلك من خلال إصلاح الخطاب الديني ومواجهة التطرف الفكري وتجفيف منابعه والتعامل بحسم مع دُعاة الفتنة والخراب وسفك الدماء، فضلاً عن العمل بكل جدية علي إيجاد تسويات سياسية للصراعات الإقليمية التي تعصف بمنطقتنا. أصحاب السمو والمعالي، وسط هذه التحديات الجسام التي فرضت علينا في السنوات الأخيرة وتفاقمت آثارها بسبب اشتعال حروب متعددة داخل دول شقيقة، فإن قضيتنا الفلسطينية تظل علي رأس أجندة السياسة الخارجية المصرية، وذلك علي الرغم من مساعٍ تبذلها أطراف خارجية لجر المنطقة لاتجاهات أخري تشغلها عن هذه القضية المحورية. في هذا السياق، أود أن أؤكد علي موقفنا الراسخ بالاستمرار في الوقوف كتفاً بكتف مع الشعب الفلسطيني حتي يحصل علي كامل حقوقه المشروعة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وعلي رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. في هذا الإطار، تؤكد مصر علي ضرورة تدشين مقاربة جديدة تهدف إلي إنهاء هذا الصراع وفقاً لإطار زمني مُحدد، بدلاً من إضاعة الوقت بما لن يُفيد أيّ من الأطراف. وعليه، فإن مصر تُطالب الحكومة الإسرائيلية بالانخراط الفوري في مفاوضات جادة، وإيقاف كل الإجراءات التي من شأنها تغيير الواقع علي الأرض، ولاسيما في الحرم القدسي الشريف الذي يشهد في هذه الفترة هجمة شرسة من قبل المستوطنين. وأود أن اعبر عن إدانتنا الشديدة لمواصلة إسرائيل الاستهانة بكافة قرارات الشرعية والضمير الانساني لقيام قواتها صباح اليوم باقتحام المسجد الأقصي ومهاجمتها للمصلين بالقنابل والأعيرة المطاطية مما خلف عدداً من الإصابات. ونطالب سلطات الاحتلال بالتوقف الفوري عن مثل تلك التصرفات التي من شأنها تعميق الهوة في سبيل الجهود المبذولة لاستئناف مسيرة السلام وإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، كما ننوه إلي الخطورة البالغة بان يتحول هذا الوضع المأسوي الذي تعاني منه المنطقة علي مر العقود الستة الماضية إلي صراع ديني بكل ما ينطوي عليه ذلك من وضع يؤدي إلي الانزلاق إلي حافة الهاوية ويخالف كل قواعد وأسس التطور الانساني والدعوة لحماية الفرد وحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، اقترح علي مجلسكم الموقر إصدار بيان منفصل حول تلك الواقعة يتضمن قيام الدول العربية بالعمل بشكل جماعي لبحث أفضل السبل للتحرك أمام أجهزة الأممالمتحدة سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة لوقف تلك الاعتداءات علي المقدسات الدينية وعلي أهلنا في فلسطين، وللتأكيد علي أن مثل تلك التصرفات، والتي تتزامن مع رفع علم دولة فلسطين علي الأممالمتحدة، لن تزيدنا إلا إصرارا علي مواصلة الدفاع بشتي الطرق عن مصالح أهلنا في فلسطين والأمة العربية والإسلامية. أصحاب السمو والمعالي، تُقدر مصر من ناحية أخري خطورة الوضع في ليبيا، وتؤكد علي دعمها التام وبشتي الطرق لكافة الإجراءات التي تتخذها الحكومة الليبية تعزيزاً لسيادة الدولة في مواجهة عصابات الإجرام والإرهاب الأسود. إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة سرت أثبتت صحة وجهة النظر المصرية التي طالما أكدت أن الإرهاب في ليبيا لا يختلف عنه في سوريا والعراق، ولا يجب أن تكون المقاربة في مواجهته هناك مختلفة عن تلك القائمة بالنسبة لسوريا والعراق. أما فيما يتصل بالمسار السياسي، فلقد دعمت مصر الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي برناردينو ليون لتحقيق المصالحة والوفاق بين الأطراف الليبية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الأطراف الملتزمة بالحل السياسي والطامحة لإنشاء دولة مؤسسات في ليبيا، وتؤكد مصر علي ضرورة الالتزام بتاريخ 20 سبتمبر الجاري تاريخاً نهائياً للتوقيع علي الاتفاق السياسي لاسيما في ظل تزايد المخاطر والتهديدات التي تُحيط بالشعب الليبي. أصحاب السمو والمعالي، أما الوضع المأساوي الذي يُعانيه الشعب السوري الشقيق فهو عار علي جبين الإنسانية. وهو وضع يجب من أجله بذل كل جهد مُمكن نحو انجاز حل سياسي يضع حداً لتلك الأزمة المتفاقمة، ونُشجع في هذا السياق المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا علي الاستمرار في الدفع نحو الإعداد الجيد لمؤتمر جنيف 3 ليكون بمثابة عملية تفاوض جادة علي المرحلة الانتقالية بين النظام والمعارضة السوريين. وانطلاقاً من مسئوليتنا القومية نحو الشعب السوري فقد استضافت مصر في يونيو الماضي 'مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية' الذي صدر عنه خارطة طريق للحل السياسي استناداً إلي مرجعية. جنيف نأمل أن تكون خطوة فاعلة علي طريق حل سياسي ينتقل بسوريا من وضعية الصراع إلي مرحلة التفاوض الجاد من أجل بناء سوريا مدنية عربية موحدة ديمقراطية، وهو ما يتطلب دعماً فعلياً من القوي الإقليمية والدولية المؤثرة وضمانات من قبلها بتوافر النية الصادقة للتوصل إلي الحل العادل والذي يحمي سوريا والسوريين. أصحاب السمو والمعالي، إن إعلان مصر دعمها السياسي والعسكري ومشاركتها في الخطوات التي اتخذها ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية في اليمن، جاء استجابة لطلبها بعد فشل مساعي استئناف الحوار، وانطلاقاً من مسئوليتنا تجاه صيانة الأمن القومي أمام محاولات أطراف خارجية العبث به. وتؤكد مصر أن تأمين الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب يُعد أولوية قصوي للأمن القومي المصري والعربي. وعليه، فتُشدد مصر علي دعمها الكامل لحكومة اليمن والرئيس عبد ربه منصور هادي، وتمسكها بوحدة اليمن واستقلال وسلامة أراضيه، ودعمها لمسار العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. أصحاب السمو والمعالي، إن التحديات الجسيمة التي نجابهها حالياً تحتاج منا إصلاح وتطوير آليات عمل جامعتنا العربية بالشكل الذي يسمح لها بأن تكون أداة فعالة، ليس فقط لتوسيع وتعميق تعاوننا المشترك، وإنما لتكون أيضاً انعكاساً لإرادتنا الصلبة في التفاعل بل والتعامل مع مختلف فرص وتحديات عصرنا الحديث وتحقيقاً لآمال وتطلعات الشعوب العربية. في هذا السياق، أود أن أشيد بما تضمنه تقرير الأمين العام حول نتائج أعمال اللجنة مفتوحة العضوية رفيعة المستوي لإصلاح وتطوير جامعة الدول العربية والفرق الأربع المنبثقة عنها، وأؤكد في الوقت ذاته علي الحاجة المُلحة لسرعة الانتهاء من عملية الإصلاح والتطوير، بما في ذلك من خلال إقرار الميثاق الجديد والنظام الأساسي لمجلس السلم والأمن العربي. أصحاب السمو والمعالي، أود في ختام كلمتي أمام مجلسكم الموقر أن أؤكد علي جسامة التحديات والتهديدات التي تواجه الأمة العربية، وأتطلع أن تسفر مناقشات دورتنا الحالية لقرارات تتناسب مع حجم تلك التحديات وتُحقق ما تصبو إليه الشعوب العربية من سلام وازدهار.