يصادف غدا الجمعة ذكري مرور ستة وأربعين عاما علي حريق المسجد الأقصي أول قبلة للمسلمين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ذلك الحريق الذي دمر أجزاء كبيرة من معالم المسجد التاريخية والأثرية، وأتلف ما يقرب من ثلث مساحة المسجد القبلي الإجمالية. جريمة بشعة ما زالت ذكراها محفورة في الأذهان، مسببة أوجاعا وجراحا عميقة للأمة الإسلامية تئن منها مع كل ذكري سنوية للحريق، جراح لن تندمل إلا بتحرير المسجد الأقصي من دنس اليهود. شب الحريق في الجناح الشرقي للجامع القبلي الموجود في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصي والتهمت النيران كامل محتويات الجناح مهددا قبة الجامع الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة اللامعة، وهي من المعالم التي أتت عليها النيران. في حريق 21 أغسطس عام 1969 الذي دبره وخطط له المتطرف اليهودي 'دينيس مايكل روهان '، استهدف منبر 'صلاح الدين الأيوبي' الذي يعتبر قطعة نادرة مصنوعة من قطع خشبية دون أي مواد لاصقة أو مسامير، وهو المنبر الذي صنعه نور الدين زنكي وحفظه علي أمل أن يضعه في المسجد الأقصي إذا ما حرره، ولما مات قبل تحريره قام صلاح الدين الأيوبي بنقله ووضعه في مكانه الحالي بعد تحرير المسجد من دنس الصلبيين. ومن الأجزاء التي طالها الحريق أيضا مسجد عمر، 'محراب زكريا' المجاور له، ومقام 'الأربعين' المجاور لمحراب زكريا، و ثلاثة أروقة من أصل سبعة ممتدة من الجنوب إلي الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة وجزء من السقف الذي سقط علي الأرض خلال الحريق، وعمودين رئيسيين تحت قبة المسجد مع القوس الحجري الكبير بينهما، و74 نافذة خشبية، والعديد من الزخارف والآيات القرآنية وجميع السجاد العجمي ومطلع سورة الإسراء المصنوع من الفسيفساء المذهبة فوق المحراب بطول 23 مترا إلي الجهة الشرقية. وقام العدو الإسرائيلي بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في نفس يوم الحريق، وتعمدت سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس التي يسيطر عليها الاحتلال حتي لا تشارك في عملية الإطفاء، إلي أن جاءت سيارات الأطفال العربية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق. أحدثت تلك الجريمة النكراء فوضي عارمة، وفجرت ثورة غاضبة في أرجاء العالم الإسلامي، وفي اليوم التالي للحريق أدي آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصي، وعمت المظاهرات القدس بعد ذلك احتجاجا علي الحريق، وعقد علي إثر تلك التداعيات أول مؤتمر إسلامي في مدينة الرباط المغربية. انتهاكات وحرائق واستفزازات يدفعها المسجد الأقصي مرارا وتكرارا ضريبة باهظة للاحتلال الإسرائيلي، حيث يتعرض للكثير منها منذ احتلال إسرائيل لمدينة القدس في عام 1967، مرة بمنع المصلين من أداء الصلاة واستفزازهم، وأخري عن طريق حفريات بحجة البحث عن هيكل سليمان، وأخطرها كان في عام 2012 عندما حفر الإسرائيليون نفقا طويلا وعميقا أدخلوا إليه سفر التوراه وأقاموا في داخلة كنسا يهوديا. وسجل عام 1990 ابشع تلك الانتهاكات حينما قاد اليهود مذبحة ضد الفلسطينيين أسفرت عن مقتل 22 فلسطينيا، وفي أكتوبر من نفس العام حاول متطرفون يهود 'أمناء جبل الهيكل' وضع حجر الأساس للهيكل الثالث كما يزعمون وتصدي لهم أهالي القدس، وأسفرت الاشتباك بين الجانبين عن استشهاد اكثر من 21 شهيدا واكثر من150 جريحا، واعتقال 270 شخصا داخل وخارج الحرم القدسي. وشهد عام 1994 مذبحة الحرم الإبراهيمي بالخليل، عندما دخل باروخ جولدشتاين ومعه مجموعة من الإسرائيليين، وفتحوا النيران علي المصلين واخترقت شظايا القنابل والرصاص صدور ورقاب أكثر من 350 ساجدا، مما فجر انتفاضة الأقصي الأولي، وفي عام 1996 حفر الإسرائيليون نفق يمر أسفل السور الغربي للمسجد فغضب المقدسيون، وأدت المواجهات إلي سقوط 65 فلسطينيا وإصابة 1600، وكانت هذه المواجهات شرارة انتفاضة الأقصي الثانية. وفي عام 2000، أعلنت جماعات يهودية متطرفة تأسيس جمعية لبناء كنيس علي أجزاء من المسجد الأقصي في مدخل المسجد المرواني الذي يعد من أروع الأماكن في التصميم المعماري العتيق والمميز الذي يضمها المسجد الأقصي ويمتد لمساحة شاسعة تحت ساحات المسجد، ومن حين لآخر تحاول السلطات الإسرائيلية إلي إفراغ مدينة القدس من المسلمين عن طريق تهديدهم ومنعهم من الصلاة بحجة الحفريات، كما سعت السلطات الإسرائيلية منذ احتلالها لمدينة القدس سياسة مصادرة أملاك المقدسيين ومصادرة أراضيهم وهدم منازلهم واعتقالهم وفرض ضرائب مستهدفه توسعة مستوطناتهم وعزل مدينة القدس عن محيطها، وفي عام 2010، أقرت إسرائيل ضم المسجد الإبراهيمي إلي قائمة التراث اليهودي، وفرضت قيود علي الصلاة فيه وخاصة في أعياد اليهود. وفي دراسة له، كشف أحمد صب لين، الباحث المتخصص في موضوع 'الاستيطان بالقدس المحتلة'، عن قيام جمعيه 'كو هانيم' الاستيطانية في شهر أغسطس الحالي، بتقديم مخطط هندسي إلي اللجنة المحلية للتخطيط والبناء لإصدار تراخيص لإقامة استيطان جديد في حي بطن الهوي ببلدة سلوان بالقرب من مستوطنة بيت يونتان، بالإضافة إلي الزيادة المستمرة في عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة والذي وصل لإلي 85 في المائة يسكنون حول مدينة القدس وفي منطقة غرب رام الله وجنوب غرب نابلس لارتباطهم بالعمل. تنكر إسرائيل كافة قرارات الشرعية الدولية التي تطالبها بفك هذه المستوطنات، ومنها قرارات مجلس الأمن رقم 446 لسنة 979، وقرار رقم 452 لسنة 1979، وقرار رقم 465 لسنة 980، وقرار رقم 478 لسنة 980، وهناك قرارات أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة أدانت هذا الاستيطان أهمها قرار رقم 2851 لسنة 1977، وقرار رقم 42/160 لسنة 1977، وقرار رقم 44/48 لسنة 1989، وقرار رقم 45/74 لسنة 990، وقرار رقم 46/47 لسنة 1991.