قد يفتح الحديث عن وفاء الكلاب باب الرتابة بغير قصد.. فهي معلومة من قدم الزمن بل ومستهلكة، لكن الجديد في الموضوع أن الإنسان هو الذي يسعي لمحاكاة الكلاب في صفة لا ينازعهما فيها إلا بني جنسهما، ربما رغبة منه في إعادة إحياء تلك الفضيلة المُعَطَلة بداخله.. أو أن حنينه إلي واحدة من مكارم الأخلاق التي شيعها بجحوده إلي حيث لا يعلم، هو ما دفعه- في لحظات رومانسية- للتفكير في تكريم الكلب وتخليد ذكراه. ففي القرن التاسع عشر كان الكلب 'بوبي'- وهو من فصيلة كلاب الصيد الإسكتلندية- يعيش مع رجل يُدعي 'جون جراي' في 'أدنبره'، وعام 1858 مات 'جون' وتركه وهو لا يزال ابن سنتين. لكن 'بوبي' الذي اعتاد أن يرافق 'جون' حيثما يذهب، لم يتردد لحظة في أن يتبعه حتي إلي مثواه الأخير بمنطقة 'جراي فرايرز' ليفترش القبر في وضعية تصور لمن يراها وكأنه يحتضن صاحبه الراقد تحت تلك البقعة من الثري!! اندهش حارس المقابر في البداية للمشهد، وكانت حيرته تزداد كلما حاول تطفيش الكلب، الذي كان يهرب منه بعيداً، وسرعان ما يعود مرة أخري ليتوسد ذراعيه بجوار شاهد القبر الذي يضم صاحبه، رافضاً ترك المكان!! تكرر السيناريو في نفس اليوم والأيام التالية، فأدرك الحارس أن في الأمر شيئاً غامضاً سوف تكشفه الأيام، فما كان منه إلا أن سَلَم بوجود الكلب الذي استمر علي هذا الحال طيلة أربعة عشر عاماً بعد وفاة صاحبه. ذاعت القصة بأنحاء كثيرة في اسكتلندا وعرف بها العديد من الناس، وفي عام 1867- وتقديراً لإخلاص 'بوبي' النادر- قام سير 'وليم تشمبرز' عمدة 'أدنبره'، ورئيس جمعية الرفق بالحيوان آنذاك بمنحه قلادة الشرف، والتي يحتفظ بها متحف أدنبرة إلي وقتنا هذا. ظل الكلب علي العهد وفياً حتي فارق الحياة في يناير من عام 1872، حيث دُفن علي مقربة من صاحبة عند مقابر 'جراي فرايرز' التي قضي بها سنوات عمره 'تقريبًا' لذا اشتُهِرَ الكلب باسم 'بوبي جراي فرايرز'. كما قامت البارونة الثرية 'بورديت كوتس' المعروفة بمساهماتها السخية في الأعمال الخيرية بتكليف النحات الإسكتلندي 'وليم برودي' بعمل تمثال للكلب تم إزاحة الستار عنه في نوفمبر 1873 ويجسد 'بوبي' بالحجم الطبيعي جالساً فوق نافورة من الرخام، حيث تم نصبه بالقرب من المدخل الرئيسي لمقابر 'جراي فرايرز'. هذا فضلاً عن كتاب صدر عام 1912 بعنوان 'بوبي جراي فرايرز' للروائية الأمريكية 'إليانور أتكينسون'.. وفيلم من إنتاج 'والت ديزني' عام 1961، بالإضافة لفيلم آخر بريطاني أُنتج عام 2006.. وجميعها مستوحا من قصة حياة الكلب الوفي. وللحديث عن الكلاب بقية.. [email protected]