يستحق مسلسل 'سرايا عابدين' أن يطلق عليه لقب 'سرايا المزيفين' فالمسلسل الذي يعرض علي شاشة رمضان هذا العام يضم سلسلة من الأخطاء، والكوارث التاريخية، والتي ما كان يجب الوقوع فيها أبدًا، لأنها تعني، وبكل بساطة أن من قاموا علي أمر هذا العمل، لا يعرفون من التاريخ غير قشوره، ولا يدركون منه غير صفحات غير متكاملة. بداية.. أراد صناع المسلسل إنتاج نسخة مكررة من المسلسل التركي 'حريم السلطان' غير أنهم فشلوا شكلاً، وموضوعًا في أن يأتي العمل متقاربًا مع المسلسل التركي، وقد أرادت مؤلفة المسلسل 'الكويتية الجنسية'أن تقدم شيئًا جديدًا، فجاء المسلسل 'مسخًا' لتشويه تاريخ 'عائلة محمد علي'، وجعلت من الخديوي إسماعيل حاكمًا لا يعرف سوي 'فتنة النساء' و'التلصص' علي أشقائه وأفراد أسرته في القصر، والتجسس علي كل ما يجري، وكأنه ترك كل اهتمامات الشأن العام في البلاد، وتحول إلي خديوي 'تافه' و'ساقط' ليس له من الأعمال الخالدة ما يستحق الفخر والتمجيد، ناهيك عن أنه تعلم في فرنسا، وكان قائدًا للجيش، وأرسله محمد سعيد باشا في مهام عسكرية إلي السودان. اهتم المسلسل بالنواحي الشكلية، كالديكورات، والأزياء علي حساب المضمون، ولم يعتمد علي مصادر تاريخية، وموثوقة، لوضع الحقائق أمام الأجيال، والرأي العام. إن غالبية المصادر التاريخية تؤكد أن الخديوي إسماعيل وأفراد عائلته كانوا يتحدثون ذات اللهجة المصرية التي يتحدث بها أبناء الشعب، غير أن المسلسل حاول إقحام كلمات وعبارات من قبيل التزيد لصالح اللغة التركية، وذلك من عينة 'أدب سيس.. أدب بوك.. خرسيس.. إنت اشتغلي إيه' وهَلُمَّ جَرَّا، وتناس القائمون علي أمر هذا المسلسل أن تلك اللهجة تم تقديمها علي لسان الفنانة ماري منيب في إحدي المسرحيات التي عرضت في الستينيات بغرض السخرية من حكم أسرة محمد علي لمصر، وهو اتجاه كان سائدًا بشكل كبير خلال الحقبة الناصرية.، ولعل من أبرز الأخطاء التاريخية التي حفل بها المسلسل أنه، وفي العام 1860، الذي بدأت عنده أحداث المسلسل، لم يكن الخديوي إسماعيل قد تولي حكم مصر، ولم يكن قد حصل علي لقب خديو، حيث إن الثابت تاريخيًا أنه تولي حكم البلاد في 12 يناير 1863، وحصل علي لقب خديوي بفرمان من الباب العالي عام 1867، كما أن قصر عابدين الذي أطلق اسمه علي المسلسل، لم يكن قد تم تشييده حتي هذا التاريخ، حيث بناه الخديوي إسماعيل في العام 1872، أي بعد 9 سنوات من توليه حكم البلاد.وتؤكد الحقائق التاريخية أن 'خوشيار هانم' والدة الخديوي، لم تكن تقيم مع الخديوي إسماعيل في نفس القصر، بل كانت تسكن 'قصر الدوبارة' وهو ما يناقض رواية المسلسل حول سيطرتها الكاملة علي القصر، إضافة إلي أن النساء لم يكن مسموحًا لهن بالتدخل في شئون الحكم. حفل المسلسل بأخطاء، وخطايا، لا أول لها ولا آخر، وجاءت محاولة صناعة 'تسلية المشاهدين' بدراما القصور المسلية، سعيًا إلي مخاطبة المشاهد العربي، الذي تجذبه حكايات القصور، وسير الحب بين الأمراء والأميرات والجواري، لتعطي انطباعًا عكسيًا، وصدامًا مع التاريخ، الذي يؤكد علي الدوام أن الحقيقة ستبقي، رغم كل محاولات الزيف التي يستسهل بعض صناع هذا النوع من المسلسلات حياكتها، رغم خطورتها البالغة علي سجل هذا الوطن وتاريخه.