رغم أن هندام 'محمد اللحام' يبدو جيدًا ولا يدل البتة علي أنه يحتاج للمساعدة، إلا أنه يقف يوميًا لساعات علي مفترق إحدي الطرقات في قطاع غزة، بجوار صندوق خشبي مستطيل، ويطلب من المارة التبرع ب'شيقل' واحد فقط 'الدولار يعادل 3.4 شيكل'. تلك العملات المعدنية الصغيرة التي يجمعها اللحام '26 عاما'، الذي وضع علي صدره بطاقة تعريفية تظهر انتماءه لحملة شبابية خيرية تحمل اسم 'المليون شيقل تبدأ بشيقل'، قال إنها ستوزع في نهاية شهر رمضان علي فقراء غزة. وينشط فريق شبابي متطوع في جمعية الرحمة الخيرية بغزة، في تنفيذ مبادرة شبابية تهدف إلي جمع 'شيقل' واحد من المواطنين، بهدف الحصول علي مبلغ 'مليون شيقل' ما يعادل '300 ألف دولار' مع انتهاء أيام شهر الصوم. وقال اللحام صاحب اللحية الخفيفة لمراسلة الأناضول: 'ليس غريبًا أن يوجد في كل دول العالم حملات جمع تبرعات للفقراء، لكن حملتنا تختلف بأن كافة طبقات المجتمع بإمكانهم المشاركة فيها رغم ما نعانيه من ظروف إنسانية صعبة'. وبعد أن ابتسم اللحام لمتبرع أسقط عددًا من العملات النقدية في الصندوق الخشبي بجواره قال:' بإمكان معظم المواطنين المشاركة في الحملة فهي لا تحتاج لمبالغ كبيرة إنما شيقل واحد فقط يكفي'. و'الشيقل' '30 سنتا أمريكيا' أصغر عملة نقدية يتداولها الفلسطينيون، بعد عملة 'النصف شيقل' نادرة التوفر. ويتوقع المتطوع الشاب خريج قسم الدراسات الإسلامية، أن تساعد الحملة العشرات من الأسر الفقيرة المتضررة من الواقع الاقتصادي المزري في غزة، والحصار الإسرائيلي وغيره من الأزمات، وفق قوله. وأكمل اللحام 'في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها والتي أضيف إليها مؤخرًا أزمة رواتب موظفي حماس، نحتاج جميعا للتكاتف ومساعدة بعضنا الآخر'. ويبلغ عدد موظفي حكومة 'حماس' السابقة، الذين لم يتقاضوا رواتب عن شهري مايو/ أيار ويونيو /حزيران الماضيين، لعدم إدراجهم في قائمة ديوان الموظفين الفلسطيني، نحو 50 ألف موظف، تبلغ فاتورة رواتبهم الشهرية قرابة 40 مليون دولار. وتقول حركة حماس، إنها اتفقت نهاية شهر إبريل/نيسان الماضي، مع حركة فتح علي أن تتولي حكومة التوافق دفع رواتب كافة موظفي الحكومتين السابقتين في الضفة وغزة. لكن الرواتب التي أرسلتها الحكومة الفلسطينية الجديدة، اقتصرت علي موظفي حكومة رام الله، ولم تشمل موظفي حكومة حماس السابقة. ووقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل/ نيسان الماضي، علي اتفاق، يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن. وأعلن عقب توقيع الاتفاق عن تشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية في 2/يونيو/حزيران الماضي، وأدي أعضائها اليمني الدستوري أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة في مدينة رام الله بالضفة الغربية. أما المتطوع الشاب لقمان العقاد '22 عاما' قال إنه فخور بالتحاقه في الحملة، وسعيد لأنه سيكون له دور في مساعدة العائلات المحتاجة. وقال العقاد خريج السكرتاريا الدولية للأناضول :'عددنا 1.8 مليون نسمة، لو أننا نجمع شيكلا واحدًا من كل مواطن علي أقل تقدير فسنحصل علي مبلغ كبير من المال، نساعد به العشرات من الأسر الفقيرة'. وأضاف:' من خلال أفكار بسيطة يمكننا مساعدة العاطلين عن العمل والفقراء والعمال ومن لا يجدون ما يسدون به رمق أطفالهم خاصة في ظل انتشار البطالة والفقر، وتحقيق التكافل الاجتماعي'. ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع معدل البطالة في قطاع غزة إلي 40% في الربع الأول من عام 2014. ويخضع قطاع غزة لحصار فرضته إسرائيل منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية 'حماس' في الانتخابات التشريعية 'البرلمان' عام 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة، علي القطاع في صيف العام 2007، ورغم تخليها عن الحكم إلا أن الحصار مازال قائمًا. وقال العقاد الذي يشرف علي جمع أموال التبرعات في أحد المحال التجارية الرئيسة في غزة:' رغم أننا خريجو جامعات ونعاني من البطالة إلا أن الشباب الغزّي لا يتواني عن الالتحاق بالأعمال الخيرية رغبة في نيل الثواب'. وتخرج مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، سنويا حوالي 30 ألف طالب وطالبة سنويا وتبلغ نسبة العاملين منهم 25%، والعاطلين عن العمل 75%، وفق إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني. من جهته، يقول خالد عبد الباري مسئول العلاقات العامة والتسويق في الحملة، متحدثًا للأناضول أن 'هدف الحملة هو مساعدة المحتاجين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع'. ووفقًا للاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين في غزة، فإن المرحلة الحالية التي يعيشها العمّال في قطاع غزة هي 'الأصعب والأسوأ' منذ عشر سنوات، حيث وصل عدد العاملين العاطلين عن العمل إلي قرابة '170 ألف' نسمة، يعيلون نحو 615 ألف نسمة. وما يميز الحملة ويجعلها تحظي بقبول واسع وتفاعل من المواطنين بساطة فكرتها، كما يقول عبد الباري، فالعملة النقدية التي يتم جمعها 'الشيقل' زهيدة جدًا وبإمكان الجميع التبرع بها، علي حد قوله. وتتنوع نشاطات الحملة بين أكشاك 'محل صغير غالبا ما يشيد من الخشب' لجمع التبرعات توزعت علي مفترقات الطرق علي مستوي محافظات قطاع غزة، وبين صناديق خشبية وضعت في المراكز التجارية الرئيسية، والشق الثالث والأخير عبارة عن مسوقين للحملة يقصدون بعض المتنزهات والأماكن العامة، والمحال التجارية التي لا يوجد بها صناديق لجمع التبرعات، وفق عبد الباري. ويتوقع عبد الباري أن يتم جمع مبلغ 300 ألف دولار نهاية شهر رمضان، مشيرًا إلي أن الحملة تلقي رواجًا وتفاعلا كبيرًا من طبقات المجتمع كافة. والمبالغ المالية التي سيتم جمعها ستصرف ضمن عدة برامج كما أوضح عبد الباري، قائلا 'سيتم تنفيذ 100 مشروع صغير تستفيد منه الأسر الفقيرة علي مستوي القطاع، و سيخصص مبلغ آخر من المال لتوظيف 100 خريج لمدة 5 أشهر في بعض الجمعيات الخيرية'. وأكمل عبد الباري 'البرنامج الأخير عبارة عن تقديم مساعدات مالية وعينية ل 1200 أسرة، وفقًا لما تقتضيه الضرورة'.