يعتبر الشيخ محمد رفعت المولود بحي المغربلين بالقاهرة في التاسع من مايو 1882 من أحد أهم القراء البارزين في مصر والملقب بالقارئ المعجزة أو بقيثارة السماء، حفظ القرآن صغيرا رغم إعاقته في بصره مبكرا ثم درس التجويد والقراءات وغيرها من علوم القرآن وحفظه بطرق مختلفة ودراسة علم المقامات الموسيقية وعلوم التفسير في مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب، ويعتبر أول من أقام مدرسة للتجويد القرآني في مصر وتميزت طريقته في الأداء عن غيره من مقرئي القرآن بقدرته علي إظهار الصوت الخاشع أثناء التجويد وقدرته علي تجسيد المعاني وإظهارها بالآيات وبخاصة في الآيات المتعلقة بقصص الأنبياء والأقوام السابقة كتجويده لسورة يوسف وسورة مريم التي عشق سماعها أقباط مصر قبل مسلميها ناهيك عن جماليات الأداء الجميل والروحاني الذي يحمل للمستمع الروائح الذكية كأجمل عطور الأرض أو خشخشة صوته التي تعطي الإيحاء لصدي المعادن النفيسة عند اصطدامها لدرجة أن سماه أحد المستمعين قديما وهو الحاج سليم إبراهيم رخا بقرية بني قريش شرقية بالذهب المسموع، وكان أداؤه ينقل خلاله كل جوارحه فيصل للمستمع ليمس قلبه ويتملكه وينفذ لأعماقه فيعطيه من حلاوة القرآن والإيمان حتي يشعر الناس بأن هذا الصوت قادم من الجنة، كان يعطي كل حرف حقه وينتقل من آية لآية حسب المواقف معتمدا علي المقامات الموسيقية المختلفة دون أن يشعر المستمع بذلك وقد تجلي ذلك في أدائه لصورة الرحمن، لقد كان رجلا خاشعا ويشع من قراءاته للقرآن النور الرباني وكأن الملائكة محاطة به أثناء حفلاته القرآنية فتعطيه القوة والبهاء وأذكي النفحات وعندما كان يقول صدق الله العظيم كانت الناس تتمني لو ظل مستمرا في تلك القراءة. وعندما افتتحت الإذاعة المصرية كان هو أول من ساهم بقراءاته بسورة إنا فتحنا لك فتحا مبينا، وكان يقرأ لها علي الهواء مباشرة القرآن الكريم وإقامة الآذان مما أثري معه أرشيف الإذاعة المصرية حتي ذاع صيته ونفذ صوته واشتهر في جميع بلاد العالم وجاءته العروض المختلفة ولكنه كان يأبي بتواضع وكبرياء فجاء صوته للإذاعة المصرية نديا خاشعا وعشقته الجماهير وأنه كان خشوعا إلي الله في قراءته يلتمس الصدق في أدائه وكان يقرأ مرتين أسبوعيا يوم الثلاثاء ويوم الجمعة لمدة 45 دقيقة وكانت الدموع تنهمر من عينيه، وعند وفاته يوم 9 مايو نفس يوم مولده ولكن عام 1950 فقدت الأمة المصرية والإسلامية عمودا هاما من أعمدة مقرئي القرآن وتراثه الأدائي والفني الجميل حتي نقلت الإذاعة المصرية خبر وفاته بقولها وحسب موسوعة الويكبيديا ' أيها المسلمون فقدنا اليوم عالما من أعلام الإسلام وقالت الإذاعة السورية في نعيها علي لسان المفتي ' مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام، وقال عنه الشيخ الشعراوي رحمه الله ' إذا أردت أحكام التلاوة فعليك بالشيخ الحصري، وإذا أردت حلاوة الصوت فعليك بالشيخ عبد الباسط، وإذا أردت النفس الطويل فعليك بالشيخ مصطفي إسماعيل، وإذا أردتهم جمعيا فعليك بالشيخ محمد رفعت ' وكان محل أحاديث وملتقي الشعراء والأدباء والفنانين والسياسيين والموسيقيين وأهل العلم والدين في مصر فقد قال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب بأن صوته ملائكي لأنه يأتي من السماء. ورغم مرور هذا الوقت الطويل علي رحيله إلا أنه يظل عند المصريين مرتبط بالمظاهر والملامح الروحانية لشهر رمضان الكريم وارتباط المستمعين بقراءاته قبل المغرب عبر الإذاعة المصرية مع آذانه المحبب إلي الصائمين حتي ارتبط صوته عبر الأجيال بهذا الشهر ومازال سماع صوته محبب إلي الأجيال الشابة التي لم تعاصره وتشاهده، فتلك الأصوات المميزة لم تستطع السنوات الماضية أن تمحها لأن عند سماعها في مناسبات معينة تنتاب الذاكرة مشاعر دينية وروحانية معينة إضافة إلي توارد الخواطر الإيمانية والحياتية لذكريات عائلية واجتماعية مضت، وقد ظل هذا الصوت متجليا ومتربعا علي قلوب وعقول المصريين وظل مظهرا احتفاليا وشذا موسيقيا ودينيا لشهر رمضان الكريم ليصبح من أكثر تلك المظاهر الفلكلورية للمصريين واحتفاليا بالشهر الكريم.