تحمل الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما للملكة العربية السعودية أهمية كبيرة لما تحمله من مواضيع محورية وخلافية تم مناقشتها مع الملك عبد الله بن عبد العزيز وذلك بعد أن شهدت العلاقات فتورا بين البلدين بسبب اختلافات حول الرؤي للكثير من القضايا الإقليمية والدولية تهم أمن السعودية ومصالحها بالمنطقة والعالم. ويعتبر هذا اللقاء أنه الثاني للرئيس أوباما مع الملك عبد الله منذ أقل من خمس سنوات، لم لا والسعودية تعتبر ومنذ وقت طويل حليف قوي لأمريكا بالمنطقة وتمحورت تلك العلاقة حول معادلة ضمان الأمن السعودي والخليجي مقابل تأمين الطاقة، وخلال تلك الزيارة تم مناقشة الكثير من القضايا الهامة ومنها بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وتجاوز كل الخلافات، إلي جانب طرح الملك عبد الله وفي مصارحة مع الرئيس أوباما لأهم النقاط الخلافية التي أغضبت السعودية في الفترة الماضية ومنها الملف النووي الإيراني و الأزمة السورية والقضية الفلسطينية وموقف أمريكا صراحة من تلك القضايا. فالملك عبد الله رأي خلال العام الماضي تغير مفاجئ لسياسة أمريكا تجاه إيران بعد تهاونها في الملف النووي الإيراني وإجراء المصالحة مع النظام الإيراني الجديد بصحبة الدول الغربية وتقليص العقوبات الاقتصادية علي إيران دون علم السعودية مسبقا بهذا التقارب مما فسر علي أنه تقوية للموقف الإيراني للمضي قدما في التقدم النووي مما يهدد أمن الخليج وأمن المنطقة في وقت تشعر فيه السعودية والدول العربية بالمد الشيعي الإيراني في المنطقة وهو ما يثير المخاوف للسعودية ودول الخليج، ثم تأتي الأزمة السورية كدليل آخر علي تغيير أمريكا لمواقفها في اللحظات الأخيرة وتخليها عن شركائها كما تري السعودية من أن الرئيس أوباما تخلي عن مساعدة المعارضة السورية عندما تراجع عن توجيه ضربة عسكرية إلي النظام السوري مقابل تسليمه للأسلحة الكيميائية وهو ما تراه السعودية تخلي آخر يضاف إلي المواقف الأمريكية المتقلبة والغير مفهومة من القضايا الدولية ومنها أيضا غضب السعودية من التهاون الأمريكي في حل القضية الفلسطينية من خلال عدم استخدام رؤساء أمريكا السابقين ومعهم أوباما الضغط الفعلي والقوي والحاسم ضد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وعدم رغبتهم في إرجاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني لإقامة دولته وتنفيذ قرارات الأممالمتحدة بخصوص هذا الشأن مما يثبت تدليل أمريكا لإسرائيل ويأتي مناقشة هذا الملف في الوقت الذي تراجعت فيه إسرائيل عن تسليم الدفعة الرابعة من الأسري الفلسطينيين وهو ما يعتبر إحراج للسياسة الأمريكية ومواقفها الهشة في القضية الفلسطينية. إن الزيارة يعتبرها المحللون مصالحة وترضية ومحاولة إعادة الثقة مع الجانب السعودي لقوة السعودية وملكها في المنطقة والعالم، كما يراها البعض ويراها السعوديون مصارحة ومكاشفة قوية من جانب الملك عبد الله لتلك القضايا التي أدت إلي إحراج أوباما ليقدم أجوبة شافية ومقنعة حول النوايا الأمريكية لتلك القضايا التي جعلت أوباما بحسب التسريبات التي خرجت من نتائج هذا اللقاء يطمئن السعودية بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي وضمان أمن الخليج والمنطقة، كما أبدي أوباما رغبته في مساعدة وإمداد المعارضة السورية بالأسلحة المتقدمة التي تضمن تفوقه علي الجيش النظامي السوري وإمكانية تدريب أفراد الجيش السوري الحر في بعض البلاد المجاورة، وفي نفس الوقت أيضا أبدي أوباما للملك عبد الله خشيته من أن تقع الأسلحة المتطورة في أيدي الجماعات الإرهابية المنتشرة بالمنطقة، كما أبدي أيضا استعداده لحل القضية الفلسطينية دون الإشارة إلي إمكانية الضغط علي حكومة نتنياهو في إسرائيل، وإلي جانب تلك النقاط التي أغضبت الملك عبد الله من المواقف الأمريكية كان الملف المصري حاضرا أيضا لغضب الملك من سوء تقدير الإدارة الأمريكية للأحداث في مصر لمناصرتهم لجماعة الإخوان رغم وجود الحكومة الانتقالية الحالية التي تؤيدها السعودية وتؤيد خطة الطريق التي تتبعها واعتبار السعودية أن جماعة الإخوان في مصر جماعة إرهابية الأمر الذي أدي إلي إحراج أوباما في اللقاء باعتباره يروج لمحاربة الإرهاب، ومع مناقشة تلك القضايا الخلافية فلن تؤدي إلي طلاق بين السعوديين والأمريكيين بل ربما ستؤدي الزيارة إلي توطيد الشراكة والعلاقة التاريخية بين البلدين وتقارب لحل القضايا الخلافية بينهما. لقد أبدي الملك عبد الله قوته وجدارته وحنكته في هذا اللقاء عندما أسمع الأمريكيون ما لم يود أن يسمعوه أو يبدوه، واستحق بالفعل أن يسمي بالملك أبو المبادرات والمصارحات عندما يتدخل بخبرته فيها سواء كانت قضايا خليجية أو إقليمية أو دولية لأنه يسعي خلال حياته لضمان استقرار المنطقة كما أنه يسعي إلي ترتيب البيت السعودي لضمان النظام الملكي فيه بعد أن قام في نفس توقيت زيارة أوباما للسعودية بتعيين الأمير مقرن وليا لولي العهد.