في إطار جهود وزارة الخارجية لشرح الرؤية المصرية الخاصة بمشروع سد النهضة للمجتمع الدولي وآثاره المباشر المحتملة المصالح وعلي الأمن القومي المصري، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية بدر عبد العاطي أن الوزارة قامت بتعميم ورقة رسمية علي جميع سفارات مصر بالخارج وعلي وسائل الإعلام الأجنبية بهدف التواصل مع الحكومات ووسائل الإعلام في دول الاعتماد تتضمن عناصر الموقف المصري بعد انتهاء العديد من جولات التفاوض مع الجانب الأثيوبي، والتأكيد علي موقف مصر الثابت من ملف مياه النيل الذي يستند إلي مبادئ المنفعة المتبادلة وعدم إلحاق الضرر بأي طرف. وتتناول الورقة بشكل مفصل مراحل تطور هذا الملف منذ الإعلان عن مبادرة حوض النيل منذ عشر سنوات، والاتفاق علي قيام دول النيل الشرقي التي تشمل مصر والسودان وإثيوبيا بإعداد دراسة مشتركة لمشروعات الربط الكهربائي والتجارة الإقليمية للطاقة، والتي توصلت إلي إنشاء سدين علي النيل الأزرق هما: سد ماندايا وسد Border. وقامت الحكومة الإثيوبية بشكل مفاجئ في فبراير 2011 بالإعلان عن نيتها لبناء سد جديد، وهو ما دعا الحكومة النرويجية لوقف تمويل الدراسات التي كانت تمول بها السدود الإثيوبية. ثم فوجئت مصر بقيام إثيوبيا في أبريل 2011 باتخاذ موقف منفرد من خلال الإعلان عن بناء سد النهضة الإثيوبي، ووضع حجر الأساس لأكبر سد في المنطقة بارتفاع 145متر، وسعة تخزينية 74 مليار متر مكعب من المياه، لتوليد 6000 ميجا وات بتكلفة 4.7 مليار دولار. ولم يقم الجانب الإثيوبي بتوفير أية معلومات عن مشروع السد، وأعلن أن السد لن يؤثر علي دولتي المصب، غير أنه عاد ليعترف بالآثار السلبية للسد علي دولتي المصب. ونوهت الورقة المصرية بالمفاوضات التي جرت مع إثيوبيا بشأن مشروع سد النهضة منذ زيارة رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف إلي إثيوبيا في مايو 2011 ولقائه برئيس لوزراء الأثيوبي آنذاك 'مليس زيناوي'، حيث تمت الموافقة علي إنشاء لجنة الخبراء الدولية لتقييم تداعيات بناء السد علي دول المصب، تتكون من عضوين وطنين من كل دولة من الثلاث دول، فضلاً عن أربعة خبراء دوليين بهدف تقييم الفوائد والمكاسب المتوقعة من بنائه. وقد عقدت اللجنة ستة اجتماعات من مايو 2012 حتي مايو 2013، حتي انتهت اللجنة الدولية من كتابة التقرير النهائي في مايو 2013 وتسليمه إلي حكومات الدول الثلاث . وقد أقر التقرير عدد من التوصيات تصب معظمها في تأكيد الشواغل المصرية في مقدمتها: أن معظم الوثائق المقدمة من الحكومة الإثيوبية بخصوص السد جاءت بعد البدء الفعلي للإعلان عن سد النهضة، ومعظمها تم إنهاؤه بعد بدء عمل اللجنة الدولية، كما أن الدراسات البيئية والاقتصادية والاجتماعية فشلت في تحديد الأثر الحقيقي للسد علي دول المصب. وقال المتحدث الرسمي بأن التقرير الدولي نوه بأن المستندات الخاصة بالتصميمات الهندسية ومعدلات الأمان في المستوي الأول لبناء السد والتي لم تكن جيدة، حيث طالبت اللجنة الدولية إلي ضرورة الانتباه للسد المساعد والذي يحتوي تصميمه علي نقاط ضعف، كما أن دراسات الجدوي والدراسات المالية لم تقدم إلي اللجنة الدولية، فضلا عن عدم إمدادها بدراسات طُلبت خلال فترة عملها علي مدي عام، مشيراً إلي أن نماذج المحاكاة للتصميم الهيدرولوجي وبحيرة التخزين، يوضح تأثيرات سلبية علي احتياجات المياه في مصر، كما أن له تأثيرا سلبيا علي توليد الطاقة من السد العالي، مع الأخذ في الاعتبار المواصفات الحالية المعلنة من جانب الحكومة الإثيوبية والتي تفترض مقاييس محددة لملء الخزان علي مدي 6 سنوات. ويوضح التقرير أن لجنة الخبراء الدوليين طالبت في تقريرها بضرورة الانتهاء من دراسات تتعلق بنظام الموارد المائية ودراسات النموذج الهيدرولوجي، وتقييم الآثار البيئة علي دول المصب، وفقا لتوصيات التقرير النهائي للجنة الدولية. وتكرر مصر موقفها بأنه انطلاقا من روح التعاون والرغبة الجيدة من الجانب المصري للوصول إلي اتفاق مع الحكومة الإثيوبية حول المشروع، قام وزير الخارجية السابق بزيارة إلي أديس أبابا في يونيو 2013، لتبادل وجهات النظر مع نظيره الإثيوبي حول نتائج تقرير اللجنة الدولية، واتفقا علي مباشرة العمل معا علي مستوي فني وسياسي واستشاري، بمشاركة السودان لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية بشكل سريع. واعترف وزير الخارجية الإثيوبي خلال الزيارة بتقرير اللجنة الدولية وما جاء فيه، مؤكدا حرص بلاده علي عدم التسبب في أي ضرر لمصر . ويوضح التقرير إنه علي الرغم من الاتفاق للبدء سريعا في تشكيل فريق من الخبراء لتنفيذ توصيات تقرير اللجنة الدولية، خصوصا أن الحكومة الإثيوبية لا تزال تسرع في معدلات البناء في موقع السد، إلا أن أول اجتماع عقد علي مستوي وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا بعد 5 أشهر في نوفمبر 2013، وأعقبه جولتان في ديسمبر 2013 ويناير 2014. وقد حرصت مصر خلال الجولات الثلاثة للتفاوض علي الوصول إلي آلية مشتركة مع الجانبين الإثيوبي والسوداني لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية، وتم الاتفاق علي بعض البنود في الجولة الثانية مثل اللجوء إلي استشاري دولي لاستكمال الدراسات غير المكتملة، والانتهاء من جميع الدراسات في مدة لا تزيد علي عام، إلا أن التفاوض وصل إلي طريق مسدود، بسبب عدم موافقة الجانب الإثيوبي علي وجود خبراء أجانب، بعد إصرار مصر علي وجودهم للتأكيد علي وجود الخبرة والحرفية الفعالة وتقديم الرأي الفني المستقل في حالة وجود خلاف بين أعضاء اللجنة الوطنيين. كما رفضت إثيوبيا خلال جولات التفاوض مناقشة عرض مصري بإجراءات لبناء الثقة. وفي الوقت الذي تؤكد فيه مصر دعمها لحق إثيوبيا أو أي من دول منابع النيل في التنمية واستخدام المياه لتحقيق متطلبات التنمية بل وحرصها دائما علي أن تكون طرفا في دعم مشروع التنمية في دول حوض النيل، فإنها تؤكد علي رفضها الكامل لمبدأ الإضرار بمصالح أي طرف. وأنه علي الرغم من غياب أية دراسات خاصة بالتداعيات البيئية والهيدرولوجية، إلا أن الحكومة الإثيوبية للأسف تستمر في بناء السد بما يمثل خرقاً وانتهاكاً صريحاً لمبادئ القانون الدولي والاتفاقيات السابقة والتي تقضي بعدم بناء أي مشروعات مائية قد تتسبب في إلحاق الضرر بدول المصب، حيث تنص المادة الثالثة من اتفاقية عام 1902 بعدم بناء أو السماح بأية أعمال علي النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط بما قد يعيق تدفق المياه إلا باتفاق مسبق. كما نصت المادة الخامسة من الاتفاق الموقع بين مصر وإثيوبيا عام 1993 علي الامتناع عن الدخول في أية أنشطة في مياه النيل قد تلحق الضرر بمصالح الطرف الآخر. وذكر المتحدث أن الورقة المصرية تجدد موقف مصر بأنه علي الرغم مما سبق فإنها لا تزال مستعدة للدخول في مفاوضات جادة وشفافة مع حكومتي إثيوبيا والسودان للوصول إلي إتفاق يستند إلي مبدأ تحقيق المكاسب للجميع وبحيث يأخذ في الاعتبار شواغل التنمية بالنسبة لإثيوبيا واهتمامات السودان مع الحفاظ علي أمن مصر المائي. كما تؤكد مصر أن غياب التوصل لمثل هذا الاتفاق واستمرار بناء السد وخلق أمر واقع يمثل تهديداً صريحاً لأمن مصر المائي وأمنها القومي.