لم يكن ليغيب عن أحد المؤامرات الكبري التي تحيكها أمريكا ضد دول المنطقة كي تحوّل ساحتها إلي جحيم مستعر ترتع فيه ذئاب الارهاب لتقتل وتدمر وتنشر الفوضي ويتم من خلالها استهداف الجيوش العربية بغية إضعافها توطئة لاجتثاثها وعندئذ تضمن أمريكا أن المال سيكون تقسيم هذه الدولة وتجزئتها إلي دويلات. بدأت بالعراق عندما اجتاحته في 20 مارس 2003 ليكون منطلقا لها صوب دول المنطقة وهو هدف لم تخفه وإنما أعلنته علي لسان 'كولن باول' وزير الخارجية في عهد بوش الصغير، فلقد قال يومها: 'غزونا العراق لإعادة رسم خريطة المنطقة بشكل يحقق مصالح أمريكا وحليفها الاستراتيجي إسرائيل'. ولهذا وبعد نحو أربعين يوما علي الغزو توجه 'باول' إلي سوريا في 2 مايو 2003 ليملي عليها 33 شرط إذعان. يومها قال للرئيس السوري: 'إنك تستطيع أن تكون جزءا من مستقبل إيجابي أو أن تبقي في الماضي مع السياسات التي تتبعها. الخيار لك'. كان الأمل يراود أمريكا في أن تنصاع سوريا لها. بيد أن سوريا رفضت العرض القاضي بأن تكون تابعة تنفذ ماتمليه عليها الإدارة الأمريكية التي راعتها نبرة الندية التي تتحدث بها القيادة السورية وتمسكها بالثوابت ويتصدرها سيادة الدولة واستقلالها ورفض أي تدخل خارجي في شئونها الداخلية. وعاد' باول' يومها إلي واشنطن بخُفيْ حنين بعد أن تيقن من استحالة إدراج سوريا في دائرة التبعية. استاءت أمريكا لأنها لم تحقق ماتهدف إليه ومن ثم اتخذت موقفا تصعيديا من دمشق عندما وافق مجلس النواب الأمريكي علي ما أطلق عليه 'قانون محاسبة سوريا'. وقدم مشروع القانون للكونجرس في الأسبوع الذي جرت فيه الغارة الإسرائيلية علي منطقة 'عين الصاحب' قرب دمشق في 3 أكتوبر 2003.ولأن أمريكا فشلت في تطويع سوريا لتكون تابعة لها فلقد حرضت دولا غربية وإقليمية ضدها. ومن ثم رأينا انقلاب العواصم الأربع ضد دمشق، واشنطن، وباريس، وأنقرة، والدوحة. وبدأ مخطط استهداف سوريا لإعادة ترتيب المنطقة جذريا. ظل حلم تغيير النظام يراود أمريكا التي استغلت ماسمي بثورات الربيع العربي وسارعت فنسجت المؤامرة الكبري عبر تجنيد الارهابيين والمرتزقة ودعمهم ماليا وتسليحيا وتدريبيا وإطلاقهم نحو سوريا في محاولة لإسقاط النظام. بيد أن المحاولة باءت بالفشل. ارتدت أمريكا قناع الراعي النزيه الأمين الساعي إلي حل الأزمة السورية سياسيا. مارست الضغط علي الائتلاف المعارض لكي يشارك في مؤتمر 'جنيف 2'. إلا أنها ناقضت نفسها عندما صدق الكونجرس سرا علي شحنات أسلحة للمجموعات الارهابية المسلحة في سوريا. وغاب عن أمريكا أن هذا المسلك يشكل خطأ استراتيجيا كبيرا أثبتت إدارة أوباما به أنها لاتملك نية لحل الأزمة وأن كل ماتملكه هو خطة لإشعال المواقف أكثر وأكثر. ولاأعلم علام ساندت أمريكا عقد مؤتمر 'جنيف 2' مادامت تتبني هذا النهج الشاذ؟ لقد أكدت أمريكا بذلك أنها لاتريد أمنا ولااستقرارا وإنما تريد الابقاء علي عمليات القتل والابادة. يحمد للوفد السوري الرسمي الوثيقة التطهيرية التي قدمها في المؤتمر وتتضمن بنودا تنص علي سيادة واستقلال سوريا وعلي ضرورة إعادة الأراضي المغتصبة وعلي رفض أي شكل من أشكال التدخل أو الاملاء الخارجي وتنص علي نبذ كل أشكال التعصب والتطرف وعلي رفض الارهاب وتدعو إلي محاربته.وكم كان غريبا أن يبادر الائتلاف المعارض برفضها وكأنه لايعنيه مايحدث في الدولة من عمليات ارهابية موَّلها الغرب وحلفاؤه من أجل إسقاط سوريا دولة العروبة!! فهل غاب عن هذا الائتلاف المريض أنه بتخليه عن الثوابت يكون قد بات عاريا من الانتماء لسوريا؟!