عاد الموفد الدولي الأخضر الابراهيمي إلي هوايته المفضلة في التنقل بين غرفتين للسعي لتقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة السورية وذلك من خلال مؤتمر جنيف 2 الذي عقد الأسبوع الماضي في مدينة مونترو السويسرية وهي الطريقة ذاتها التي اتبعها الابراهيمي أثناء وساطته في الأزمة الأفغانية عام 2001 والتي انتهت بإزاحة حكم طالبان وتشكيل حكومة جديدة تتولي السلطة في كابول. واضطر الموفد الأممي إلي اتباع دبلوماسية الغرفتين بعد رفض كل من وفدي المعارضة والحكومة الجلوس إلي طاولة واحدة علي هامش المؤتمر رغم تأكيدات الأممالمتحدة ان الطرفين سيجلسان إلي طاولة واحدة فإنها عادت ونفت الأمر علي لسان أمينها العام بان كي مون الذي فطن إلي محاولات الوفد الحكومي السوري 'الذي جاء متسلحًا بمكاسب عسكرية حققها علي الأرض خلال الشهر الأخير' بتوجيه المؤتمر إلي مكافحة الإرهاب وقال موجها حديثه إلي وزير الخارجية السوري وليد المعلم: 'لم يكن من السهل جمع أطراف الأزمة في هذا المؤتمر بعد كل هذا العدد من الضحايا لذلك يجب ان نركز علي حل سريع دون النظر إلي اعتبارات أخري'. وفي حقيقة الأمر فإن توجيه أجندة جنيف 2 إلي مكافحة الإرهاب التي قالت الحكومة السورية إنه تَمكن من عدد من المدن مؤخرًا جاء فيما يبدو بإتفاق ثلاثي بين دمشق وبغداد وطهران سبق انعقاد المؤتمر من خلال تطورات مهمة حدثت علي الأرض. قام فيها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدورًا رئيسيًا وذلك بإعطاء أوامره إلي الجيش العراقي للتدخل في محافظة الأنبار لمساعدة العشائر السنية للقضاء علي ما يسمي بتنظيم 'داعش' الذراع العسكرية للقاعدة في العراق وبلاد الشام وهو التنظيم ذاته الذي يخوض حربا ضارية في حلب وإدلب بسوريا وبذلك حاول المالكي ضرب عصفورين بحجر واحد.. الأول توسيع رقعة القتال مع 'داعش' لتشمل الأراضي السورية والعراقية وهو ما يخفف الضغط علي دمشق في الداخل ويمنع تجدر هذا التنظيم في بلاد الشام.. والثاني تنفيذ المطلب الامريكي الملح بالتصالح مع العشائر السنية وضمهم إلي العملية السياسية في العراق بعد قطيعة بين الطرفين دامت عامين تحالف فيها 'داعش' مع سنة العراق ضد المالكي لكنه أذاقهم فيما بعد ويلات من الظلم والقهر والتعذيب لذلك لم تجد العشائر السنية في الأنبار مفرًا من التحالف مع الجيش العراقي الذي يسيطر عليه الشيعة للتخلص من ذراع القاعدة العسكرية في بلادهم، وربما يؤدي ذلك بالمالكي إلي أحياء تنظيم الصحوات السني الذي كان قبل عامين حائط الصد الوحيد ضد القاعدة في العراق. وبهذه التحركات السياسية النفعية التي لم تخل من الطائفية والتي استبقت جنيف 2 إستطاع رئيس الوزراء العراقي إستغلال المؤتمر وتقديم نفسه لاعبًا أساسيًا في المنطقة فهو من ناحية قدم نفسه نائبا عن إيران اللاعب الرئيس الذي غاب عن الحدث مكرها.. كما لعب دور الوصيف المساند لوفد الحكومة السورية.. وكذلك تابعًا مخلصًا وأمينا للغرب خاصة واشنطن التي تقدم له الدعم العسكري لمحاربة الإرهاب في بلاده والتي ربما تفكر مستقبلا في الموافقة علي قيام بغداد المالكي بدور الوساطة بين سوريا والغرب بعد الحصول علي موافقة موسكو وبعد ان قدم رئيس الوزراء العراقي نفسه زعيمًا إقليميًا 'طائفيا' يُرضي جميع الاطراف في الداخل والخارج، وربما ينجح في تهدئة الأجواء الإقليمية المشحونة. لكن الشيء المؤكد ان هذا الأمر ستتفق عليه الدول الكبري فقط في حالة واحدة وهي استشعار الخطر علي أمن إسرائيل وليس شيئا آخر.