كنت حريصاً علي تلبية الدعوة التي تلقيتها - بكل الشكر- من الاستاذ ابراهيم المعلم وأسرة دار الشروق لحضور حفل اصدار الطبعة الحديثة من موسوعة السنهوري، ولكن - للاسف الشديد- منعني من الحضور ظروف خارجة عن إرادتي. وموسوعة الوسيط في شرح القانون المدني قام بتأليفها عميد فقهاء القانون في مصر والعالم العربي الدكتور عبد الرزاق السنهوري، وقام بتحديثها وتنقيحها شيخ القضاة في مصر المستشار أحمد مدحت المراغي رئيس محكمة النقض الاسبق. وتعتبر هذه الموسوعة أكبر موسوعة قانونية في مصر والوطن العربي، ومن أكبر الموسوعات القانونية في العالم، وتتكون من عشرة أجزاء، وتقع في خمسة عشر ألف صفحة، وتتضمن الشرح الكامل للقانون المدني المصري، وهو من أفضل القوانين المدنية في العالم، وأكثرها استقراراً وثباتاً. والدكتور السنهوري عبقرية قانونية قلما يجود الزمن بمثله في عمله وفكره، فهو يجمع بين العمق في الفقه الاسلامي، والعمق في الفقه القانوني الغربي، ولذلك إستطاع بعبقريته القانونية أن يستخلص افضل ما في الفقه الاسلامي، واجود ما في الفقه القانوني الغربي، وانصهر ذلك كله في بوتقة، خرج منها القانون المدني المصري. وقد استمد القانون المدني المصري بعض أحكامه من الفقه الاسلامي، ومن ذلك نظرية التعسف في استعمال الحق، ونظام الشفعه، وحوالة الدين، ونظرية الحوادث الطارئة المستمدة من نظرية الضرورة، ونظرية العذر في الفقه الاسلامي. وقد أخذ القانون المدني المصري من التقنينات المدنية الحديثة، ومنها التقنينات اللاتينية وعلي رأسها التقنين الفرنسي والتقنين الايطالي والاسباني، أو من التقنينات الجرمانية وأهمها التقنين الألماني والسويسري والنمساوي. وإستفاد التقنين المدني المصري بمزايا هذه التقنينات، وتلافي عيوبها، فاختار من القوانين اللاتينية والجرمانية افضل ما فيها، كما كان رائعاً في نواحي الصياغة والاسلوب، والعبارات الواضحة. وموسوعة الوسيط كتبت بلغة ادبية عالية، رفيعة المستوي، في سلاسة وإقتدار لتعبر عن أدق المدلولات في فقه القانون المدني وبإسلوب يمتاز بالرصانة والاحكام. والمسوعة لا تشتمل فقط علي شرح نصوص التقنين المدني، بل تتضمن ايضاً أحكام كثير من القوانين المكملة له، والمتصلة به، وعلي سبيل المثال قانون الاثبات وتعديلاته ، وقانون التوقيع الالكتروني، وقانون الشهر العقاري، والسجل العيني، وقانون حماية الملكية الفكرية، وقوانين الإيجار، وقانون البناء الموحد، ونظام إتحاد الشاغلين الواجب انشاؤه لشاغلي العقارات المبنية، والتي لا يقل عدد وحداتها عن خمس وحدات، وأوجه التشابه والاختلاف بين نظام إتحاد الملاك المنصوص عليه في القانون، ونظام اتحاد الشاغلين الوارد في قانون البناء، كما تتضمن ايضاً أحكام قوانين تنظيم تملك غير المصريين للعقارات المبنية والأراضي الفضاء، وقانون الري والصرف، وقانون حماية الاثار، وقانون التأمين، وقانون المرور. وتتضمن موسوعة الوسيط نصوص وأحكام القوانين المدنية في العراق وسوريا والأردن ولبنان وليبيا، وقد اضاف المستشار مدحت المراغي في الطبعة الجديدة نصوص وأحكام القانون المدني الكويتي، وقانون المعاملات المدنية الإماراتي، وبذلك تعتبر هذه الموسوعة بعد تحديثها موسوعة عربية شاملة للقوانين المدنية العربية. وحرص المستشار المراغي أن يورد في جميع اجزاء الوسيط العشرة، أحكام النقض المصرية، وأحكام المحكمة الدستورية في المسائل القانونية الواردة بالكتاب، وفي نفس موضعها. كما أضاف في الطبعة الجديدة الاحكام الصادرة من محاكم التمييز بالكويت والإمارات ودبي والبحرين وقطر وسلطنة عمان. ومن أهم الاحكام التي صدرت عن محكمة التمييز في الامارات، والتي تضمنتها الموسوعة، حكم حول حياة الانسان الذي يصاب بغيبوبة عميقة، وهل يعتبر ميتاً أم أنه مايزال حيا؟ جاء في الحكم: إذا تبين ان الروح قد فارقت الجسد، فأنه يكون قد ثبت يقينا موته، والا فإنه يكون مازال حيا، ولا يقبل التشكيك في هذه الحقيقة، حتي لو كان الشك يستند إلي بعض النظريات العلمية التي تصف المريض وهو في غيبوبة عميقة، بأنه ميت إكلينيكياً، بمجرد توقف المخ عن العمل رغم أن قلبه مازال ينبض مغذيا أنسجة الجسم بالدماء اللازمة لبقائها علي قيد الحياة، ذلك لأن النظريات العلمية تخضع للتغيير، فإن ما يعتبره العلم يقينا في زمن معين، فإن الابحاث في المستقبل قد تثبت عكسه، ومن يكون ميئوساً من شفائه اليوم قد يسترد عافيته في الغد، ومن ثم لا يمكن الاعتداد بمقولة أن المريض الميت دماغياً يعد متوفياً، لمنافاة ذلك للواقع الفعلي. ويعتبر كتاب الوسيط المرجع الأساسي الذي لا يستغني عنه القاضي والمحامي وأستاذ الجامعة، ليس فقط في مصر، بل في سائر الدول العربية، ويعتبر المرشد الامين والحكيم لرجل القانون، يستنجد بتراثه، وينهل منه الطالبون والمدافعون والقضاة، ويحتكم الي سداد رأيه المتنازعون والمتقاضون، ويعتبر السند الأمين لصاحب الحق، ومطلع النور في أحلك الظلمات. باختصار شديد، إن كتاب الوسيط في شرح القانون المدني، هو موسوعة مسهبة في القانون المدني، وذخيرة عالية لا تداني. ولا يفوتي أن أذكر أن المستشار المراغي الذي قام بتحديث وتنقيح هذه الموسوعة قد استحق بجدارة لقب شيخ القضاة، لتاريخه الحافل في مجال القانون والقضاء، فقد كان اصغر وكيل لوزارة العدل قبل اختياره مستشاراً لمحكمة النقض ثم رئيساً للمكتب الفني ثم أميناً عاما لمجلس القضاء الأعلي، ثم رئيسا لمحكمة النقض في عام 3991، كما رأس الوفد المصري في اجتماعات روما لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية سنة 8991.