هو الملك الذي تربع علي عرش الإبداع.. وهو الملك المتوج في مملكة الدراما التليفزيونية.. وهو الملك الفرعوني المصري الأصيل الذي مات عشقا في تراب مصر، وأبحر عمقا في جذور تربتها بحثا عن تحليل ملهم لواقعها، وذاب حتي النخاع في روحها أملا في التنبؤ بمستقبلها.. وهو الملك المتربع علي عرش قلوب المصريين الذين أحبهم وألهمهم ومنحهم متعة تذوق الفن الراقي.. فمنحوه خالص حبهم واحترامهم وتبجيلهم.. هو أسامة أنور عكاشة الذي يأسرك لقاؤه إذا ماعز اللقاء إلا عبر الشاشات عندما يطل عليك متخفيا وراء سيناريو أبدعه بعبقريته، أوشخوص عاشها بخياله، أورؤي نسجها وصاغها بفلسفته.. فما بالكم بلقائه إذا ما كان اللقاء شخصيا معه.. والسؤال حقيقيا والإجابة واقعية.. مابالكم لو جلستم في حضرة الإنسان المتفرد أسامة أنور عكاشة وحضوره واختلافه وخصوصيتة كما فعلت أنا! لم أكن أتصور أن يكون حصولي علي موعد للقائه منذ عام سهلاً، خاصة وأنني كنت بالفعل أعرف عن معاناته الصحية ، ثم انشغاله الشديد داخل صومعته الفنية- حجرة مكتب منزله للتركيز علي كتاباته التي أعطاها العمر فمنحته سر متعة الحياة، لذلك جلست بين يديه كطفلة صغيرة هربت منها شجاعة عمرها الصحفي ، مبهورة من شدة بساطته علي عمق معرفته ، ومن شدة ترحابه رغم مرضه - اضطراره للاستئذان أثناء لقائي لأخذ حقنة علاج - ومن شدة أمله في مستقبل مصر رغم أوجاع الوطن.. توقعت أن يتحدث عن إبداعاته فتحدث لي عن إبداعات مصر وعبقرية تاريخها وعظمة شعبها، توقعت أن يشير إلي الجدران ويحدثني عن صوره وشهادات تكريمه فأشار بيده إلي صور أم كلثوم وغيرها من زعماء السياسة والفن والأدب، توقعت أن يتعالي كمثقف فتحدث عن ضرورة تثقيف كل أمي وأمية علي أرض مصر، توقعت أن يتحدث عن سطحية شباب مصر فأذهلني بحديثه عن قدراتهم وإصراره علي تطوير وتحديث التعليم من أجلهم شرط ان يتوحد تحت راية أولويات هوية مصريتنا. مر الوقت سريعا، ولم يشك إلا من أزمات الوطن المتكررة وضرورة معالجتها بحكمة وسرعة ووعي، ومن ازدحام القاهرة وفشلنا في تجميل وجهها المنهك، وعن حلمه بأن يشتري مسكنا لأبنائه في ضاحية هادئة بعيدا عن الصخب الذي طال شقته التي اختارها علي مشارف القاهرة الهادئة وقتها، فصارت في معترك زحامها.. شدد لي علي ضرورة أن يلتزم مثقفو مصر بثوابتها، وأن يدافعوا عن جوهرها ويتصدوا كجبهة واحدة ضد من يأخذها إلي طريق التعصب والجهل والقنوط.. سرح بعينيه بعيدا وابتسامته الأصيلة تتوج وجهه الفرعوني المصري الجميل وقال لي " هاكتب يوم حكايات أكتر وهاقول روايات أكتر وشهادة عصر أخطر عن صحافتكم وشخصياتها وأحداثها المستخبية."! مسك الكلام : أجمل مافي حياة المبدعين .. أنهم يمنحوننا حياتهم !