جلال عارف نحترم مشاعر لاعبي الكرة بالنادي الأهلي حين يقولون إنهم لا يستطيعون الاقتراب من الكرة قبل القصاص للشهداء الذين سقطوا في مذبحة »ستاد بورسعيد«.. لا مجال هنا للحديث عن التزامات المحترفين مع من رأوا الموت بعيونهم، واستشهد الضحايا بين أيديهم، وسكنت المأساة في قلوبهم وستظل لفترة طويلة. في انتظار تقرير النيابة العامة التي نرجو ألا يتأخر كثيراً، والذي نرجو أن يكشف كل الحقائق ويمسك بكل المتهمين ولا يترك مجرماً مهما كان موقعه يفر بجريمته.. وفي انتظار المحاكمة العادلة والسريعة للقصاص من القتلة، لا يمكن أن يكون هناك مجال للحديث عن عودة المباريات. ولكن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو: هل يستمر النظام الذي تدار به كرة القدم في مصر علي حاله بعد كل النكبات التي تسبب فيها، وبعد أن ساهم في تسميم المناخ الرياضي وكان من بين العوامل التي أدت إلي المأساة الأخيرة. لقد لجأنا إلي نظام »الاحتراف التلفيقي« الذي نتبعه بعد مشاركتنا في كأس العالم عام 0991، وبهدف ضمان المشاركة الدائمة في كبري المسابقات الدولية، وكانت النتيجة أننا لم نذهب لكأس العالم من يومها! وكان الهدف هو الارتقاء باللعبة ونشرها في كل أنحاء مصر، وها نحن بعد عشرين سنة نواجه وضعا بائسا: أندية جماهيرية مفلسة، ودوري يكاد يتحول إلي دوري للشركات، ولاعبين يحصلون علي الملايين بلا عائد، وأندية الأقاليم بلا إمكانيات، والأندية الثرية »باستثناء الأهلي والزمالك« بلا جماهير، وفلوس رجال الأعمال تمول الصفقات المضروبة، والجماهير في أندية الأقاليم ذات التاريخ الكروي تعاني من الشحن الإعلامي، وتعاني من الإحساس بالظلم وعدم التكافؤ في الفرص ومن خطف اللاعبين أو اضطرارها لبيعهم لقلة الامكانيات. واتحاد الكرة بعيد عن كل ذلك، ولا أحد يفكر في حلول للمشاكل. ولو نظر أحد حوله لرأي بوادر الكارثة قبل بورسعيد في أحداث المحلة، وفي اضطرار اتحاد الكرة لتغيير نظام المسابقة حتي لا يهبط الاتحاد السكندري إلي دوري المظاليم، وفي عشرات الأحداث التي تقول إن الجو مسمم والإصلاح مطلوب قبل وقوع الكارثة. جانب المؤامرة فيما حدث في ستاد بورسعيد لابد من كشفه والقصاص العادل من كل من شارك في الجريمة أو حرض عليها. ولكن يبقي الجانب الآخر الذي ينبغي التعامل معه وهو المناخ الفاسد الذي يضعنا دائما أمام احتمال تكرار الكارثة. لقد ضرب الفساد كل المنظومة الكروية، وهي مثل كل شيء في مصر في حاجة لإصلاح شامل. نظام الاحتراف التلفيقي الذي طبقناه لم يصل بنا لكأس العالم علي مدي عشرين سنة. المليارات تنفق بلا عائد حقيقي، ثلاثة أرباع محافظات مصر لا علاقة لها بالدوري. الأندية الجماهيرية مفلسة، والأندية التي لديها إمكانيات ليس لها جماهير، اختفت الرياضة من المدارس وظهرت البلطجة في المدرجات. لاعبون ومدربون ومسئولون في الأندية يتعاملون مع البلطجية ويدفعون. شحن الجماهير ونشر التعصب هو سلاح بعض الفضائيات للحفاظ علي »السبوبة«. ليس السؤال هو: متي يعود الدوري؟ بل متي تعود الكرة من عالم البلطجة والبيزنس المشبوه.. إلي عالم الرياضة الحقيقي؟!