الناس تتساءل.. هل ظلمت الثورة البرلمان وحكمت عليه مقدماً وحالاً، وقالت عنه بأنه لم يكن علي مستوي مطالب الثورة والأحداث الجارية، وبأن الانتخابات التي جرت في مناخ الثورة أفرزت نتائج غير عادية وغير عادلة لم تعبر عن جميع فئات الشعب المصري، أم أن البرلمان هو الذي ظلم الثورة فاختطف ثمارها.. وتربع علي أهدافها واخذها الي طريق آخر، بعد ان غاب عن عضوية البرلمان اي من شباب الثورة الذين ضحوا بحياتهم من أجل اشعالها والتعبير عنها في شوارع مصر.. وميادينها؟ ورغم اختلاف القوي السياسية وغيرها مما يدور بين الرأي العام في الإجابة، إلا أن الاجماع الشعبي يريد مجلساً غير تقليدي ونواباً من طراز آخر، غير ذلك الذي تعودوا عليه وشاهدوا صوره من قبل وتداولت الروايات والقصص حول معظم نوابه.. حتي اشتهر من بينهم نواب القروض.. والنقوط.. والمخدرات.. والتأشيرات.. وسميحة.. والاستيلاء.. والإثارة.. وغيرها من الصفات الشهيرة التي طالما اثارت استياء الشعب من هذه الصورة وغيرها. ويطالب الشعب أن تختفي هذه الصور من الحياة السياسية تماماً، ليحل محلها نواب الشعب الذين يحافظون علي مصالحه.. وكرامته.. وحريته.. يراقبون الحكومة بغير خجل وبكبرياء.. ويفهمون في أصول السياسة..والخطة والموازنة.. وفي أصول التشريع ومصالح البلاد والعباد.. ولا يقبلون تبريراً لما يقوله البعض ان معظم النواب الحاليين في السنة الأولي سياسة، لأنه لم يعد هناك وقت للتدريب.. أو الدراسة.. والتقييم.. نريد نواباً جاهزين بالعلم والخبرة والحس الوطني وأداء المسئولية الدستورية علي مستوي القسم الذي اقسموا عليه في أداء الرقابة.. والتشريع وإقرار السياسة العامة للدولة وتحقيق مصالح الوطن. لكن الذي جعل الناس تتشاءم سريعاً وتحكم علي المجلس عاجلاً، تلك الصور والمشاهد بجلسات المجلس التي بثها »بقراره« علي الهواء مباشرة.. والتي بدت وكأنها حلقات في إثارة الشعب والفوضي.. والمداخلات.. والمقاطعات.. والتهديدات.. ولغة الكلام.. وإجمالاً ليست في مصلحة قضايا البلاد لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، وبدت الصورة غير مرضية.. وعادت بنا الذاكرة الي خطاب الخديو الذي نبه الي ذلك منذ قرنين من الزمان وكان يتوقع حدوثه ويخشاه.. فأصدر رسالة الي محمد بك لاظوغلي، والي مصر في 72 نوفمبر 4281 أي منذ نحو قرنين من الزمان بمناسبة تأسيس المجلس العالي وطريقة إدارة مناقشته وحسن معاملة اعضائه. وكذلك ما صدر بعدها من رسائل سواء عند تأسيس مجلس شوري النواب أو مجلس شوري القوانين لتضع قواعد دستورية احتراماً للبرلمان.. ولاعضائه.. والتزاماً بالأمانة والمسئولية، وكأن تلك الرسائل ترد علي ما حدث تحت قبة البرلمان المصري منذ انعقاده في 32 يناير الماضي حتي الآن من حلقات أو جلسات شاهدها الرأي العام بعد أن قرر المجلس الموقر بثها علي الهواء مباشرة! قالت رسالة الخديو.. إلي رئيس المجلس العالي والي مصر عام 4281 وما بعدها!! (أنه في كل خطيرة وحقيرة من المسائل التي تقتضي الأحوال بحث احالتها برمتها إلي أعضاء المجلس ليتصرفوا فيها حلاً وعقداً.. متوخياً كمال الذمة.. والتزام الانصات إذكاء لشوق المتكاملين.. فإياك أن تنسب الكلام لنفسك، بل عليك أن توضح ما كان خافياً فيها علي لسان المتكلم، لتوفي كل أمر حقه من تداول الرأي بالملاحظة وليحظي اعضاء المجلس اثناء المناقشة بالحرية.. والإدلاء بثمرة تدبيراتهم بدون مبالاة أو محاباة!!) وأضاف رسالة الخديو إلي رئيس المجلس العالي التشريعي (ان مراد الاتحاد متي جعل دستوراً للعمل صدر حكم المجلس المقر موفقاً للمراد وتحققت الغاية المرجوة.. وتحقق ثمرته التي من شأنها ان تبعث في مجلس القوة وتسبغ علي أعضائه العزة!!) (وبأنه إذا انستم من المعاملة الطيبة استهتاراً بأمر المناقشة فعليكم أن تفتحواباب الكلام فتخاطبوهم في أنصاف بما يناسب المقام، كأن تقول لهم ايها الإخوة الزملاء إن هذا المجلس منوط بكم، وما عرض فيه من أمر فمناقشته موكولة اليكم، وبحثه محمول علي عهدكم.. إن قعدتكم عن لوازم المجلس ولم تؤدوا الثقة والنعمة حقها، فما علي إلا أن اكتب إلي صاحب المجلس لابلغه الحقيقة وأنبئه بالواقع والحال مصدر كل السلطات)، والآن بعد ان تغيرت الدنيا فصاحب المجلس هو الشعب صاحب السيادة ومصدر كل السلطات، ولم يعد في حاجة إلي أبلاغه بما يجري تحت القبة فالأوضاع شارحة لنفسها علي الملأ وأمام الرأي العام. وبعد هذه الرسالة أتي نص لائحة المجلس الصادر في 3 يناير 5281، وبعدها في أول اغسطس 4381 ثم في يوليو 7381، وبعدها عند تأسيس مجلس شوري النواب في 22 اكتوبر 6681 الذي كان مقره المحروسة »مصر«.. إذ ورد في رسالة النصوص أيضاً (أنه إذا طلب الكلام أثنان أو ثلاثة في آن واحد، لزم إعمال القرعة.. في تقديم احدهم علي الآخر، وفي حالة طلب العضو الكلمة في مسألة فإنه لا يجوز افتتاح كلمته في مسألة أخري، كما أنه لا يجوز الكلام إلا أذا طلب العضو الكلمة وأذن له بالكلام، وأنه يجب احترام حق العدد الاقل.. والاصغاء وسماع الملاحظات. وأضاف رسالة النصوص الموجهة إلي المجلس (أنه لا يجوز لأحد اعضاء المجلس أن يطبع أو أن ينشر قولة قالها بمجلس الشوري بغير ترخيص من المجلس، وإذا حصل من أحد الاعضاء ما يمنع لياقة وجوده عضواً بمجلس الشوري شطب حقه في العضوية) المواد 53 ، 04 ، 64 ، 15 ، 25، 45 من أمر الخديو إلي إسماعيل باشا راغب عند تأسيس مجلس شوري النواب في 22 أكتوبر 6681. وفي الأمر العالي الصادر في 7 فبراير 2881 وفي القانون النظامي بأمر الخديو إلي إسماعيل باشا راغب عند تأسيس مجلس شوري النواب في 22 أكتوبر 6681. وفي الأمر العالي الصادر في 7 فبراير 2881 وفي القانون النظامي بأمر الخديو الصادر في أول مايو 3881، »يجوز لكل مصري أن يقدم للمجلس عريضة بحال ينظر فيها من لجنة يشكلها المجلس.. لإجراء ما يلزم فيها، وأنه في كل خلاف يحدث فيتأويل معني أحد احكام هذا القانون يناط فصله فصلاً قطيعاً بلجنة مخصوصة يرأسها نظار الحقانية واثنين من اعضاء مجلس الشوري وثلاثة من اعضاء محكمة الاستئناف، وهداياً بذلك (فصلت اللجنة فيتأويل المادة 43 من القانون النظامي والحالات التي تدخل فيها بشأن زيادة بعض رسوم عوائد الدخان ورسوم الصحة) وذلك تدعيماً وقتديراً لسلطة القضاء. واستمرت هذه الرسائل تتوالي إذ صدر القانون والنظام للجنة التشريعية في أول يوليو 3191.. ثم ما وردت بعد ذلك في نصوص دستور البلاد عام 3291 وثم دستور عام 0391.. وما تلاها من دساتير وتشريعات حتي يومنا هذا. وهكذا فلقد اجابت هذه الرسائل منذ رسالة الخديو علي مسئولية الاعضاء.. وواجباتهم.. وحقوقهم وسلوكهم وملبسهم.. وإدارة مناقشات المجلس.. ورئاسة المجلس وحسن معاملة اعضاء بما يحتم عليهم جميعاً احترام القسم..وأداء الأمانة بالدقة. ويبقي علينا الانتظار لوقت معلوم.. يكشف عما سيكون عليه الحال في القريب العاجل من ممارسات النواب محل الثقة.. في ظل غياب الدستور وغياب رئيس البلاد حول مسئولية البرلمان.