إذا أردنا أن نعرف ما جري في مصر وما الذي يجري الآن فعلينا قراءة كتاب " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد " لعبد الرحمن الكواكبي.. أنه يصف لنا حياتنا رغم أنه لا يعيش بيننا.. عرف الكواكبي الاستبداد بأنه صفة للحكومة المطلقة العنان فعلا أو حكما التي تتصرف في شئون الرعية كما تشاء بلا خشية أو حساب ولا عقاب محققين وأشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق الوارث للعرش القائد للجيش.. الحائز علي سلطة دينية وكلما قل وصف من هذه الصفات خف الاستبداد إلي أن ينتهي بالحاكم المنتخب المؤقت المسئول فعلا.. وكذلك يخف الاستبداد طبعا كلما قل عدد نفوس الرعية وقل الارتباط بالأملاك الثابتة وقل التفاوت في الثروة وكلما ترقي الشعب في المعارف.. إن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والاحتساب الذي لا تسامح فيه كما جري في صدر الإسلام. ويكمل وصفه للاستبداد بقوله : ومن الأمور المقررة طبيعة وتاريخا أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسئولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمة أو التمكن من إغفالها إلا وتسارع إلي التلبس بصفة الاستبداد وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه وفي خدمتها إحدي الوسيلتين العظميين وهما جهالة الأمة والجنود المنظمة وهما أكبر مصائب الأمم وأهم معائب الإنسانية . ولعل من أجمل الأوصاف للمستبد ما قاله الكواكبي "المستبد عدو للحق.. عدو للحرية.. وقاتلهما والحق أبو البشر والحرية أمهم والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا.. والعلماء هم إخوتهم الراشدون.. إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا.. وإلا فيتصل نومهم بالموت "! ومن أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل علي العلم واستبداد النفس علي العقل.. إن الكلب الطليق خير حياة من الأسد المربوط . أن المستبد فرد عاجز لا حول له ولا قوة إلا بالتمجدين والأمة.. أي أمة كانت ليس لها من يحك جلدها غير ظفرها ولا يقودها إلا العقلاء بالتنوير والإهداء والثبات حتي إذا ما اكفهرت سماء عقول بنيها قيض الله لها من جمعهم الكبير أفرادا كبار النفوس قادة أبرارا يشترون لها السعادة بشقائهم والحياة بموتهم . غير أن من أخطر ما قاله الكواكبي في الأخلاق هو ما ينطبق علينا الآن فقد ربط بين الاستبداد وتدهور الأخلاق وانحطاطها في المجتمع. وقال إنه يؤثر علي الميول الطبيعية والأخلاق الحسنة فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها.. وإن أسير الاستبداد لا يملك شيئا ليحرص علي حفظه لأنه لا يملك مالا غير معرض للسلب ولا شرفا غير معرض للإهانة.. وأقل ما يؤثره الاستبداد في أخلاق الناس أنه يرغم حتي الأخيار منهم علي ألفة الرياء والنفاق.. وأنه يعين الأشرار علي إجراء غَيّْ نفوسهم آمنين من كل تبعة ولو أدبية. إن أسوأ ما فينا أننا لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم والدليل أننا لم نتمعن فيما كتبه عبد الرحمن الكواكبي منذ أكثر من مائة عام وما قاله ابن خلدون قبله بمئات السنين لكي تفهم الشعوب حقوقها وواجباتها وتقف علي مناحي الظلم والعدل وتتهيأ للمطالبة بالحقوق إذا سلبت والقيام بواجباتها إذا أهملت . لعلنا في حاجة ماسة لإعادة قراءة تاريخنا وما أحوجنا الآن قبل أي وقت مضي لنقوم بهذه الخطوة حتي نعود للعمل والإنتاج ونوقف المظاهرات والاحتجاجات ونبني أمتنا المصرية فالأعداء يبصرون ويتهيأون للانقضاض علينا إذا ما رأونا ننهض بوطننا.. أطماعهم كثيرة وخرائط التقسيم جاهزة ولن يغيرنا الله ونحن لا نغير ما بأنفسنا. ربنا لا تجعلنا ممن قلت فيهم في كتابك العزيز " ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون " الحشر .