حمدى الكنىسى فرض اليوم »الحادي عشر من فبراير« نفسه علي تاريخ مصر، فقد شهد في العام الماضي »1102«، أحد أبرز انجازات »ثورة 52 يناير«، وذلك بتنحي الرئيس مبارك تجسيدا لسقوط رمز النظام السابق، وسادت الفرحة والسعادة الغامرة انحاء الوطن بمجرد انتهاء »عمر سليمان« من إعلان بيان التنحي، وللأسف غطت هذه الفرحة علي الرؤية الصحيحة لمسار الثورة، فتصورنا أنه بسقوط رأس النظام سيتوالي سقوط بقية أركانه ومؤسساته وأذنابه. ومن ثم يبدأ علي الفور تحقيق كل أهداف الثورة كما أعلنها وضحي من أجلها بأرواحهم ودمائهم آلاف الشهداء والمصابين، وهي »عيش وحرية وعدالة اجتماعية«، ونتيجة لهذا التصور الخاطيء أخلي الثوار ميدان التحرير وميادين الثورة وعادوا إلي بيوتهم ينتظرون سقوط ثمارها تلقائيا في أيديهم، ولم يتنبه أحد إلي أن مغادرة ميدان التحرير وبقية الميادين قد فتح المجال أمام أعداء الثورة لكي يبدأوا علي الفور مخططاتهم لإجهاضها والانتقام من أبطالها، وقد ساعدهم في ذلك التنافس المحموم بين القوي السياسية علي اقتناص أكبر قدر من كعكة الثورة »أضواء إعلامية، ومقاعد برلمانية!!« وقد انعكس ذلك علي إدارة »الفترة الانتقالية«، خاصة مع فتاوي بعض الفقهاء الدستوريين الذين استجاب لهم المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وكانت بداية التخبط بذلك الاستفتاء الذي وضع العربة قبل الحصان فأجل وضع الدستور إلي ما بعد الانتخابات البرلمانية، هذا إلي جانب بطء وهزلية المحاكمات لأقطاب النظام السابق، وكان من الطبيعي أن تتكرر المليونيات خاصة مع نجاح بعضها في انتزاع الموافقة علي بعض مطالب الثورة، لكن كثرة هذه المليونيات كادت تفقدها قيمتها وفعاليتها، إلي جانب انها ألحقت أضرارا ببعض من تعطلت مصالحهم سواء بتوقف حركة التجارة في المحلات الواقعة بالقرب من ميادين الثورة، أو بتقلص أنشطة وأعمال عدد من الشركات والمؤسسات ومنها طبعا ما يتصل بالسياحة، هذا إلي جانب ارتباك حركة المرور وكان هؤلاء الذين أصابتهم تلك الاضرار من أشد المتحمسين للثورة والداعمين لها، لكنهم أخذوا يبتعدون عنها رويدا رويدا بل إن منهم من ابتلع طُعم أعدائها وصاروا يرددون عبارات تسيء إليها وتشوهها، ولعلني كنت من أوائل من حذروا من كثرة المليونيات وطالبوا بترشيدها حتي لا تفقد معناها وهدفها. والسؤال الآن: هل يشهد اليوم الرائع »الحادي عشر من فبراير«، احتفالا بذكري مرور عام علي سقوط رأس النظام السابق، أم نحوله إلي بداية »عصيان مدني« كما دعت إليه حركات سياسية وثورية؟! الواقع العملي يقول إن هذه الدعوة تصطدم بأكثر من عامل يستدعي التريث في الاستجابة لها، وأول هذه العوامل يتمثل في رفض قوي سياسية مختلفة مثل بعض ائتلافات الشباب وأحزاب »الوفد« و»الحرية والعدالة«، و»الثورة المصرية«، وكذا عدد من النقابات، واتحاد العمال، ثم اتسعت رقعة المعارضة لتشمل المجلس الاستشاري، ومجلس الشعب، كما رفضتها المؤسسات الدينية »الأزهر، والأوقاف، ودار الإفتاء والكنيسة«. ومعني ذلك أن العصيان المدني أو »الإضراب العام« لن تحتشد له ميادين الثورة، وبالتالي يكون محدودا وهزيلا مما يفقده أثره وقيمته، بل إنه يتم اهداره، وتخسره الثورة عندما تحتاجه في مواجهة أي تطور كبير يعترض مسيرتها، كتأخر قيام السلطة المدنية بمهامها، أو انتهاء المحاكمات بنتائج لا ترقي إلي مستوي الجرائم الحقيقية لأركان النظام السابق بما يمثله ذلك من صدمة مريعة للشعب وانتقاص خطير من الثورة، كذلك لا يمكن تجاهل ما يتيحه مثل هذا العصيان المدني أو الإضراب العام من فرصة جديدة لأعداء الثورة لممارسة مزيد من التخريب، وإثارة المضارين من المليونيات، وبث بذور الانقسام في صفوف المجتمع تمهيدا لإجهاض الثورة وتوجيه الضربة القاتلة لها.