منذ اللحظة الأولي، كنت ضد ان يستدرج الثوار للكمين المعد سلفا من الداخلية، ويتوجهون الي الشوارع المحيطة بها، فيتعرضون للقتل، وفقء العيون، ويتم التغطية القانونية علي الجريمة ومنفذها من جلادي الداخلية المرتبطين والممثلين لنظام مبارك. مثلما حدث في كل الجرائم الثابتة والموثقة مثل كشوف العذرية وتركيع المتظاهرين وسحل البنات وتعذيب الشباب وتحطيم مستشفيات الميدان إلخ إلخ.. وحتي مذابح ماسبيرو وشارعي عيون الحرية ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد.. كنت ضد ان يتيح الثوار الفرصة لنظام مبارك الحاكم، ان يتسلي بتصفيتهم علي مهل، وهم انبل واشرف من انجبتهم مصر علي كل المستويات، بل هم السبب الاول والاخير في انتزاع كل ما انتزعه المصريون من حقوق بدءا من محاكمة حسني مبارك واركان حكمه.. ولنتذكر كيف حاول المجلس العسكري الطرمخة علي الموضوع، ومازال يحاول الطرمخة ليظل نظام مبارك قابضا علي رقابنا. اما من يبغبغون حول هيبة الدولة فإن هيبة الدولة من كرامة شعبها.. وعندما تنفذ الداخلية ومن وراءها مثل هذه المؤامرة الدنيئة لعقاب التراس الاهلي، بسبب موقفه من الثورة المصرية، وبسبب دورهم البطولي في الدفاع عن أهالي الشهداء قبل مذبحة محمد محمود مباشرة.، عندما تنفذ مثل هذه المؤامرة علي النحو الذي شهدناه علي الفضائيات فلا حق لاحد ان يتطلع ويقول لنا هيبة الدولة ورمز الدولة!. هل احترم المجرمون المستأجرون هيبة الدولة وهم يكسرون رقاب الشباب قبل ان يلقوا بهم من أعلي المدرجات!. أين هيبة الدولة ورمز الدولة من الانفلات الامني المتعمد والمقصود، وإلا فلماذا ننفق نحن المصريين علي الداخلية كل هذه الاموال من اقواتنا وجلدنا الحي؟. أين هيبة الدولة وكرامة الدولة ورمز الدولة من الحواجز الخرسانية المقامة في كل الشوارع المحيطة بالداخلية والبرلمان ورئاسة الوزراء؟. هل هذا هو الحل؟!. أليس هذا نوعا من الجنون والعناد الذي كان السمة الاساسية لنظام مبارك؟! بدلا من اقامة الحواجز الخرسانية التي لم تمنع اندلاع المعارك والاعتداء علي المتظاهرين السلميين كان يمكن اللجوء للحل الوحيد الذي سبق ان نادي به الثوار منذ 11 فبراير وهو تطهير الداخلية واعادة هيكلتها وقدم المئات من الكتاب والصحفيين والمؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني خططا محددة وتفصيلية لإعادة الهيكلة. وألقي بها جميعا في سلة القمامة، مثلما القي المجرمون جثمان احد الشهداء في الزبالة! بدلا من مسلسل اقامة الحواجز الخرسانية المزري ومسلسل قتل وفقء عيون الثوار الوحشي، هناك حلول حقيقية تبدأ بتطهير الداخلية، ليس بحركة مضروبة مثل حركة اغسطس الماضي، بل بحركة عنيفة تستبعد بجرأة وتحيل الي المعاش، والاهم من كل هذا ان تقدم ضباطها المتهمين بقتل الثوار للمحاكمة. هذه هي هيبة الدولة ورمز الدولة، وكل البغبغة والتنطع الذي نسمعه هذه الايام لن يحل المشكلة ما دام العادلي مازال يحكم الداخلية بضباطه هل رأيتم كيف يبدو العادلي متماسكا انيقا موفور الصحة اثناء نزهات المحاكمة؟. وهل رأيتم كيف حيا ضابط الشرطة العسكرية العادلي واستقبله بحفاوة؟! علي اي حال، لماذا لا تتوقف قوات الداخلية عن اطلاق القنابل المسيلة للدموع والخرطوش والغاز وخلافه، وتتيح الفرصة لجهود التهدئة ان تنجح فورا وحتي نوقف حمام الدم المستمر يجب ان تتوقف الداخلية عن عنادها وتوحشها ضد الثوار. سوف تنتهي هذه المذبحة بخسائر فادحة، الا اننا مهيأون لخسائر افدح متتالية ما دامت الداخلية هي الداخلية التي يحكمها العادلي.. اعرف بالطبع ان الداخلية ليست جزيرة معزولة وان المجلس العسكري هو المتحكم والمسئول في نهاية الامر، ولكن هل ننتظر حتي 03 يونيو القادم، حسب تعهدات المجلس التي يعض عليها الإخوان المسلمون بالنواجز بتسليم السلطة للمدنيين؟ هل نترك ابناءنا يقتلون ويضربون بهذا المعدل المخيف، فلم يعد يمر شهر دون ان نفقد المزيد من انبل واشرف من انجبنا. علي اي حال، بعد مذبحة بورسعيد تحديدا، اظن اننا دخلنا مرحلة جديدة، وعلي المجلس ان يولي عنايته لمقترحات المجلس الاستشاري بشأن تبكير نقل السلطة للمدنيين وبدلا من العناد والبطء - وهما السمتان الاساسيتان لنظام مبارك كما نعلم- يجب التفكير في مخرج عاجل من مسلسل القتل المجاني والحواجز الخرسانية المجنونة. ليس عيبا ان يرحل المجلس أو انتقاصا من شأنه، لكنه فشل في ادارة البلاد علي مدي عام كامل، ولا حل الا ان يرحل عائدا الي مسئولياته عن حماية حدود بلادنا وامننا القومي، وهي مهمة جليلة عليه ان يقتنع بها.