اظن انه من الثابت تاريخيا والموثق في عشرات الكتب، ان السياسة الثابتة للاخوان المسلمين منذ تأسيس الجماعة هي انتهاز الفرصة وابرام التحالفات ونقضها بمجرد ان تلوح فرصة افضل دون اعتبار لشيء، إلا ما تطلق عليه القيادات مصلحة الجماعة. واذا كانت الجماعة ومعها السلفيون والجماعات الاسلامية قاموا باستعراض قوة في جمعة قندهار جديدة »81 نوفمبر«، احتجاجا ورفضا لوثيقة السلمي، فان ما فعلوه جميعا منذ السبت الماضي »91نوفمبر« وحتي كتابة هذه السطور صباح الاثنين 82 نوفمبر يندي له الجبين ويدعو للخزي بل ويكاد يساوي ما فعله المجلس وذراعه الامن المركزي!.. هؤلاء لم يتخلفوا عن نزول الميدان يوما أو يومين بعد ضرب المصابين وتكسير عظامهم علنا يوم السبت 91، بل تخلفوا عمدا عشرة ايام حتي الان شراء لرضا المجلس العسكري وتلمظا علي مقاعد البرلمان.. هؤلاء في الحقيقة اغمضوا عيونهم وسدوا اذانهم، والادق انهم شاركوا بالصمت فيما جري للمعتصمين من قتل العشرات وجرح واصابة المئات بينما صدرت الاوامر من قيادات الاخوان والسلفيين والجماعات لجمهورهم بالاختفاء بعيدا عن الميدان وترك رفاقهم وزملائهم الذين شاركوهم ايام الثورة المجيدة منذ 52 يناير وحتي 11 فبراير.. هؤلاء فاتهم شرف الاشتراك في ملاحم محمد محمود »آسف عيون الحرية« وشارع التحرير دفاعا عن أنبل مطالب الثورة: كرامة المصريين، ليلحقوا بصناديق الانتخابات، ليس من اجل الديمقراطية والاعتراف المتبادل بكل الاطياف السياسية، بل لانهم متيقنون من فوزهم، وبالتالي إقصاء كل القوي السياسية من خلال دستور يتخيلون انهم سيقومون بكتابته وحدهم.. اي انتهازية هذه، واي جريمة مخزية ارتكبها هؤلاء القيادات، عندما يدعون إلي جمعة في الازهر لنصرة القدس، تخيل!.. نصرة القدس، بينما مئات الآلاف في ميادين مصر يتعرضون للقتل حرفيا وليس علي سبيل المجاز، أو علي الاقل يفقدون عيونهم علي يد الشناوي وامثاله من القتلة والسفاحين.. لم يكن مطلوبا منهم ان يتخلوا عن مواقفهم السياسية أو يغيروا قناعاتهم مثلا، بل كان المطلوب ان يوقفوا جرائم الغاز المحرم دوليا وسحل البنات وإلقاء جثامين الشهداء بجوار الزبالة وفقء العيون واطلاق الرصاص الحي علي متظاهرين سلميين.. واذا كانت القيادات علي استعداد لارتكاب اي جرائم تطلب منهم من اجل صناديق الانتخاب، فإن من المحزن ان يستجيب جمهورهم، أو اغلب جمهورهم، ويتخلوا عن واجبهم تجاه اخوتهم من المتظاهرين السلميين، ويلبوا نداء الاقصي في الجامع الازهر!! ما جري عار علي قيادات الاخوان والسلفيين والجماعات الاسلامية، لكن تلمظهم علي صناديق الانتخاب، اعمي بصيرتهم، اما العار الاشد فسوف يلطخنا جميعا لو سمحنا بأن تمر جريمة الداخلية والشرطة العسكرية مثل غيرها من الجرائم التي لم تتوقف منذ 11 فبراير. واجبنا جميعا ألا تهلينا الانتخابات، عن المحاكمة العاجلة. مثلا: ماذا فعلتم في الشناوي، وماذا فعلتم في العيسوي الذي رفع عقيرته بالصراخ: ليس عندنا غاز ولا خرطوش ولا نطلق النار، بينما المعركة دائرة والرصاص الحي والغاز يملأ الدنيا! بعد عشرة شهور من الثورة مازالت الداخلية هي اهلية مبارك والعادلي، بنفس الاساليب والمناهج بإطلاق البلطجية في ميادين التحرير، بتوزيع زجاجات المولوتوف علي جنود الامن المركزي، بالمزيد من الانفلات الامني بينما هم يملكون كل هذه القوات المدربة.. لا تعارض بالطبع بين ان تهتم القوي السياسية - ايا كانت - بالانتخابات وبين التصدي بكل قوة لئلا تمر هذه الجريمة مثلمامرت قبلها عشرات الجرائم. حتي الان الواضح ان النية تتجه للطرمخة والتطنيش، فالعيسوي - كما نشرت الصحف كلاما منسوبا للنيابة- ليس متهما، ومصير الشناوي غامض علي نحو مريب ومتعمد، والفتي سرور ذو التسعة عشر ربيعا دهسته سيارة امن مركزي بعد انتهاء المعارك تماما، والامن المركزي واصل هجومه بقنابل الغاز لتفريق المعتصمين السلميين امام مجلس الوزراء.. علي اي حال، سواء تم فرض الجنزوري أو غير الجنزوري، فان اي وزير داخلية جديد يجب ان يكون استمراره مرهونا بالتحقيق الجدي الشفاف، وتقديم المتورطين فورا للعدالة. اكرر ان العار سيلحقنا جميعا لو تقاعسنا وتركنا الجريمة تمر. جريمة بالصوت والصورة وموثقة، جريمة تتعلق بالكرامة، بتوريط الجيش المصري في مواجهات لم تحدث علي مدي تاريخ هذا الجيش.