علي غير ما هو معتاد لن أتحدث عن العام الذي مضي، أو العام الذي أقبل، بكل ما يحمله العامان (القديم والجديد) من أحداث وتطورات وتداعيات، أو آمال وخطط وطموحات. إنني -يا حضرات- أتحدث فقط عن شهر واحد من العامين، فأتحدث عن »الشهر« الذي أحببناه وعشقناه لأنه حمل وأنجب في يومه الخامس والعشرين أعظم ثورة في تاريخنا بل واحدة من أعظم الثورات في العالم كله وعلي مدي التاريخ! إنه شهر »يناير« الذي أحببناه وعشقناه، لكن الشهور التي تلته لم تكن في مستواه إذا بدلاً من أن تحمل الفترة الانتقالية ما يجسد ويحقق أهداف الثورة ارتبكت خطانا، وتعثرت مسيرتنا بفعل أكثر من فاعل حسابهم العسير عند الله وعند الشعب، وهكذا بقدر ما أحببنا شهر يناير »من عام 1102« نستقبله عندما يعود في العام الجديد 2102 بمشاعر متضاربة ما بين قلق وتخوف من أن تعجز القوي السياسية المختلفة عن تدارك ما ارتكبته من أخطاء كادت تسيء إليه، وما بين الاطمئنان إلي أن »الخامس والعشرين من يناير الجديد« سيشهد احتفالات هائلة نستعيد بها، ومعها الصورة الرائعة التي سجلها لنا التاريخ وشهد بها العالم في يناير الماضي، صورتنا وقد امتزجنا فيها جميعاً بكل فصائلنا وفئاتنا وأطيافنا في وحدة مصرية مبهرة التقت حول هدف واحد: وهو الثورة علي نظام الفساد والاستبداد، لتنطلق مصر بخطوات ثورية علي طريق الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية دون التطلع نحو مكاسب شخصية أو فئوية أو حزبية. هكذا نستثمر أهلنا أهلنا في الخارج - كباراً وصغاراً، قدامي وجدداً، ظلوا خارج دائرة اهتمام النظام السابق، وأهترأت العلاقات بينهم وبين وطنهم العزيز، وشكرا لثورة 52 يناير التي أعادت الأمور الي نصابها، ومهدت الطريق لعودة اللحمة والصلة الوثيقة بين الوطن وأبنائه في الخارج، وبدلاً من التجاهل الغبي لهم، مدت »مصر الثورة« يدها لهم، وحققت أحد مطالبهم الملحة وهو »الحق في المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية«، وبالرغم من نواحي القصور الناتجة من الفكر البيروقراطي الذي لم نتخلص منه بعد ما أعاق الكثيرين عن المشاركة، تمكن عشرات الآلاف من أهلنا في أمريكا وأوروبا والدول العربية والآسيوية من الإدلاء بأصواتهم، ونقلت لنا وسائل الإعلام ما يجيد سعادتهم وفرحتهم باحتضان الوطن لهم، ثم واصلت »مصر الثورة« تحركها علي هذا الطريق الذي كان مهجورا، فكان لقاء رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزوري مع ممثلي الجاليات المصرية في الخارج لربطهم أكثر وأكثر بقضايا الوطن، واتجه التفكير ايضاً إلي استثمار مشاعر الانتماء التي تجددت ، بالمشاركة في الاستثمارات والاقبال علي مستندات خزانة المصريين بالخارج التي تتراوح قيمتها من ألف دولار إلي 05 الف دولار للمستند الواحد بما يوفر دخلا قوميا يصل إلي 51 مليار دولار أي حوالي 09 مليار جنيه يمكن ان تزيد مع خطوات جديدة للربط مع أهلنا في الخارج، والمثير للسعادة أن الثورة وقد بعثت مشاعر الانتماء والوطنية لدي أهلنا في الخارج، ظهرت عملياً أولي بوادر نتائجها الطيبة حيث ضاعف أبناؤنا في الخارج من قيمة تحويلاتهم المالية في البنوك المصرية حتي أن هذه التحويلات بلغت رقماً قياسياً هذا العام وبصورة غير مسبوقة، وبالرغم من قيمة وحجم ومعني هذه الظاهرة الا أننا نري أن بداية الغيث قطرة، وسوف نشهد مزيداً من النتائج الرائعة لاستثمارنا العملي لأهلنا في الخارج، شريطة أن نسقط نهائياً الفكر البيروقراطي، فنعيد النظر في طريقة إدلائهم بأصواتهم حتي يتمكنوا جميعهم من المشاركة الفعالة في المسيرة الديقمراطية، وبنفس المنهج نقدم لهم التيسيرات الحقيقية في المشاركة في المشروعات الاقتصادية والانمائية، ولعل تجربة »الهند« مع ابنائها في الخارج تكون مثلا نحتذيه، ولهذه التجربة حديث آخر في المقال القادم إن شاء الله.