في محاولة فاشلة للتليفزيون المصري لكي ينفي عن نفسه تهمة التحيز أو تهمة عدم الوقوف علي مسافة واحدة من جميع التيارات سقط التليفزيون فيما هو أسوأ وما هو اخطر وما هو أبشع.. التليفزيون المصري واخص هنا قناة النيل الإخبارية فتح الباب علي مصراعيه لكل من هب ودب.. مئات اللقاءات والحوارات يدعي لها اناس بعضهم يثير الضحك وبعضهم يثير الغثيان وبعضهم يثير الشفقة وبعضهم يستحق ان يضرب بالحذاء. لقد نسي التليفزيون المصري انه ليس كل انسان مؤهلا لكي يقف امام الكاميرا ويقول أي كلام... ونسي اكثر ان بعض الصفات التي يقدم بها ضيوفه ليست مبررا كافيا لاستضافة هؤلاء الأشخاص.. كل ضيف تسبقه كلمة »الخبير الاستراتيجي« الكاتب الصحفي الكبير استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية الناشط السياسي والمتحدث الرسمي باسم »ائتلاف....« لدرجة اننا فشلنا في حصر عدد الائتلافات.. كل واحد منهم »ينجعص« في الكرسي ويبدأ في الحديث محللا الاحداث المشتعلة ونسمع كلاما غريبا.. إن دل علي شيء فانما يدل علي الجهل من ناحية أو التحيز من ناحية اخري وغالبيتهم في نظري وأنا مسئول عما اقول ليسوا اكثر من مجموعة من المحرضين فهم بجهلهم وغبائهم يصبون الزيت علي النار ويزيدون اللهيب اشتعالا وانا اعذرهم فهم مجموعة من المعوقين نفسيا يحبون الظهور ويعتقدون أن اطلالتهم المباركة من الشاشة الصغيرة سوف تسلط الاضواء عليهم ولعل وعسي ان يحصلوا علي لقمة من التورتة التي اصبحت مباحة للجميع أنا لا ألوم هؤلاء فهم مرضي بدرجة أو أخري ولكني ألوم التليفزيون الذي أتاح ساعات ارساله لمثل هذه النوعيات والعشوائيات. الفكرية والمفكرين من حملة الالقاب العلمية ومع ذلك فهم انما يصنفون كجماعة تحت خط الجهل، لن اطيل كثيرا في هذا الصدد فلاشك ان الرسالة قد وصلت أو ارجو ان تكون قد وصلت للمسيطرين علي الكاميرات المصرية.. نموذج واحد سوف اقدمه لادلل به علي ما اقول. قناة النيل الاخبارية يوم الاحد 81 ديسمبر استضافت القناة شخصا قدمته لنا باسم الاستاذ الدكتور استاذ العلوم السياسية بجامعة...« سأله المذيع عن رأيه في احراق المجمع العلمي فردد كلاما غريبا يقول: ان المجمع العلمي انشأته الحملة الفرنسية وهي حملة صليبية وان احد الاشخاص الذين احرقوه شاهده هو في التليفزيون وهو يرفع يده بعلامة النصر ويصيح قائلا »الله أكبر« بالطبع الاستاذ العبقري يريد ان يوحي ان عناصر التيارات الإسلامية هي التي احرقت المجمع لأنه من منشآت الصليبيين - تصور - لهذا الاستاذ اقول ان الحملة الفرنسية لم تكن حملة صليبية والجميع يعرف حتي تلاميذ الابتدائي انها سلسلة من حرب كانت مستمرة بين انجلترا وفرنسا وانها كانت تهدف لقطع الطريق التجاري بين انجلترا والهند هذا الكلام لا خلاف عليه بين جميع المؤرخين من الغرب أو الشرق ولو كانت النظرية التي يرددها هذا الاستاذ صحيحة اذن لكان الادميرال نلسون الذي حطم الاسطول الفرنسي في موقعة »أبوقير« هو من اعظم المدافعين عن الاسلام لانه حطم اسطول الحملة الصليبية هذا نموذج من كلام استاذ اذاعته القناة المصرية واستمع اليه العالم كله.. الاستاذ يريد بالطبع ان يوحي بأن جريمة احراق المجمع العلمي قام بها الإخوان المسلمون وهو يخدم بذلك تيارات يعلم الله وحده من هي. كل هذا لا يهم وانما الذي يهم هنا امران.. الاول هو كيف يستضيف التليفزيون المصري امثال هؤلاء دون ان يتحري عن ضيفه أو يناقشه احد الذين يفهمون في جلسة شاي قبل الظهور علي الهواء ليعرف مستواه الفكري قبل ان يطل علينا بغبائه وجهله وقبل ان يشاهده المتابعون للتليفزيون المصري والذين لا شك سوف يصفونه والقائمين عليه وضيوفه بالغباء والانهيار الفكري الامر الثاني هو كيف يسمح لمثل هذا الاستاذ اذا كان استاذا حتي ان يتصدي »للتدريس باحدي الجامعات المصرية ليعلم الطلاب هذا الجهل الواضح ويعرض عليهم نظريته العبقرية التي لم يقل احد بها لا من الشرق ولا من الغرب والتي لا تمت للحقيقة ولا للعلم بأي وشيجة لا من قريب ولا من بعيد. ارجو ان يكون هذا المثال كافيا لتوضيح ما أريد ان اقوله أو أوجهه للتليفزيون المصري.. ووزير الاعلام مطالب الآن باختيار لجنة من اثنين أو ثلاثة من الذين يفهمون ليحتسوا كوبا من الشاي مع أي ضيف قبل الظهور علي الهواء لتقييمه ومعرفة مستواه الفكري والعلمي وهل هو صالح للظهور امام الكاميرا أم لا ولا اريد لوزير الاعلام ان يترك هذا الامر للمذيعين والمذيعات فغالبيتهم اكثر جهلا من الجهل نفسه. ولله الأمر.