إبراهىم عبد المجىد هذا كتاب شديد الأهمية. إنه مطروح في الأسواق للقراء لكن أظن ان الشرطة ورجالها أولي الناس بقراءته إذا أرادوا لهذا الجهاز أن يتغير وأن يتطور. إغراء السلطة المطلقة هو عنوانه العام و "مسار العنف في علاقة الشرطة بالمواطن عبر التاريخ "هو عنوانه الفرعي. مؤلفته هي الدكتورة بسمة عبد العزيز. الأديبة والفنانة التشكيلية والطبيبة والناشطة في مركز النديم. وناشره هو دار صفصافة .الكتاب يتقصي الشرطة في مصر عبر التاريخ. منذ العصر الفرعوني حتي وقتنا الراهن. ومن ثم احتاج من الكاتبة جهدا كبيرا في البحث وراء هذه العلاقة المركبة. وبشكل عام لا تجد هذه العلاقة صورتها الفضلي إلا في العصر الفروعوني أكثر من غيره من العصور. هناك نري كيف كان فض الاضرابات العمالية علي سبيل المثال يتم بالحوار والتوافق بين الشرطة والشعب. وتقدم الكاتبة نصوصا جميلة في ذلك. طبعا اسم الشرطة لم يكن هو الاسم الشائع. فهو اسم لم يظهر إلامتاخرا جدا في العهد الإسلامي وبصفة خاصة في عهد الصحابي عثمان بن عفان. وكلمة شرطة تعني مجموعة من الناس مميزة بلبسها وعلاماتها علي اللبس. والاسم يختلف كما قلنا في كل العصور فهو تارة العسس في العصور الاسلامية وتارة البصاصين في العصر المملوكي الذين كان عملهم أقرب إلي عمل جهاز أمن الدولة. وشكل المؤسسات الشرطية يختلف فهي في العصور القديمة مرتبطة بالجيش حيث يمكن لعناصر الشرطة المشاركة في الحروب والعكس كما أن رجال الشرطة لم يكونوا دائما يعملون بأجر فكثيرا من العصور القديمة كانوا فيها متطوعين. وتستمر الكاتبة مع كل العصور لنري أشكالا من الظلم كثيرة تستخدمها الشرطة تبلغ ذروتها في العصور الاسلامية والمملوكية. وتستمر مع التاريخ تقدم لك معلومات مذهلة عن تاريخ الشرطة حتي تصل الي العصور الحديثة. عصر محمد علي الذي فيه بدأ يكون للشرطة ديوان خاص يفصل في النزاع بين الأهالي والأجانب سمي بديوان الداخلية علي غرار ديوان الجهادية حتي نصل الي القرن العشرين وأول وزارة للداخلية وأول من تولاها حسين رشدي باشا. ونمشي مع تاريخ أكاديمية الشرطة بداية من أول مؤسسة تعليمية للشرطة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الي أول مدرسة للشرطة عام 1896 سميت بقسم البوليس ثم مدرسة أساس البوليس التي تحولت عام 1941 الي كلية البوليس. وكلمة البوليس وأصلها اليوناني بمعني مدينة police حتي نصل الي أكاديمية الشرطة عام 1975. وغير ذلك كثير جدا من تاريخ الشرطة حتي نصل الي فصل المقال في الكتاب وهو العلاقة الملتبسة بين الشرطة والشعب التي تقوم علي أساس تعليمي يقنع رجل الشرطة بتميزه عن بقية أفراد الشعب ومظاهر هذا التميز في سلوكه وذلك هو مصدر القسوة التي يبادلها الشعب بتجنب الاقتراب من الشرطة ثم بالاحتكاك معها والثورة عليها التي انتهت بانفراط عقد الشرطة مع ثورة يناير المجيدة. وبالذات يوم جمعة الغضب 28 يناير حين تركت الشرطة أماكنها في كل البلاد. الكتاب يقدم أمثلة طالما طالعتنا الصحافة بها عن تعنت الشرطة وظلمها ومعاملتها غير الإنسانية للمواطن المصري الذي تحمل كثيرا حتي انطلق في يوم عيدها ليعلن ثورته علي النظام كله. ولهذا تأتي أهمية هذا الكتاب الذ ي لو قرأه رجال الشرطة وطلابها ربما تغير حالهم . والحقيقة أن الكتاب ليس متجنيا علي الشرطة في أي من صفحاته. هو يرصد تاريخها وصفات رجالها من عصر إلي عصر. وإذا كان الظلم قد بلغ أشده في العصر المملوكي من اعتداءات للشرطة علي الناس أو عقابهم بأشكال من التعذيب والموت فظيعة، فما جري ذلك الوقت لا يجب أن يتكرر في العصر الحديث المفتوحة فيه الدنيا علي العالم وحقوق الانسان. كتاب الدكتورة بسمة عبد العزيز رغم اعتماده علي مراجع كثيرة من الابحاث العلمية والتاريخية إلا أنه أول كتاب كامل في بابه يرصد هذه العلاقة الملتبسة بين الشرطة والشعب ويجسد أسباب تعقد العلاقة بشكل موضوعي كبير. دراسته من قبل رجال الشرطة سيفيد كثيرا جدا إذا أرادوا!!