انفض المولد بعد انتهاء الجولة الأولي لانتخابات مجلس الشعب، بنجاح ساحق، فاق كل التصورات والتقديرات.. وكان لابد أن يغادر معظم الشباب المتحمس المخلص ميدان التحرير بعد ان تأكدوا من أن ملامح مصر الجديدة بدأت تظهر في الأفق.. لكن المؤسف ان الميدان الذي ذاعت شهرته في العالم بأسره، بدأ يتحول بالتدريج إلي ساحة للعجائب والغرائب، التي تثير الأسي والحزن.. ففيه التلميذ الذي زوَّغ من المدرسة وجاء للفرجة والحصول علي علب العصير والسندويتشات ببلاش.. وفيه الصايع المخبول الذي وقف يعزف علي عود جربان، ويردد أي كلمات بصوت »مخرفش« وحوله مجموعة من الصبية يرددون بعده ما يقوله وهم يصفقون ويضحكون.. وفيه مراهقون ومراهقات فضلوا التلاقي وسط الزحام علي التسكع في شارع الكورنيش تحت سمع وبصر الرايح والجاي!! وبالإضافة لذلك الخليط العجيب من النماذج البشرية.. يوجد النشالون والخطافون، والبلطجية الذين يبيعون - علنا- أقراص البرشام المخدر، والفياجرا، والسجاير المحشوة بالحشيش والبانجو.. ويوجد أيضا الساقطات اللاتي يقدمن المتعة السريعة بين الخيام، لمن يدفع.. بالإضافة طبعا للباعة الجائلين الذين يبيعون العرقسوس، والترمس، والشاي، والفول، والطعمية، والباذنجان المخلل، وزجاجات المياه الغازية.. »هوجة«.. و»بهدلة«.. أما ما حدث ليلة أمس الأول فكان قمة المهزلة.. عندما خرجت المطاوي، والخناجر، ومسدسات الخرطوش.. وتطايرت طلقات الرصاص الحي، وزجاجات المولوتوف المشتعلة.. في معركة حامية الوطيس استمرت لأكثر من خمس ساعات، وامتدت من قلب ميدان التحرير إلي ميدان عبدالمنعم رياض.. لتسفر عن ثمانية وخمسين مصابا، بجروح في الوجوه والرؤوس، وكسور في الأذرع والأرجل والجماجم، وطلقات حية في الأكتاف والصدور!! هذا الاشتباك الدامي، كان بين بعض المعتصمين والباعة الجائلين الذين فاق عددهم الآن عدد المعتصمين.. ولم يكن في الميدان جندي واحد من الشرطة أو القوات المسلحة بشهادة جميع الشهود.. لكن الغريب ان بعض »الاعلاميين السريحة« الذين يسترزقون من ممارسة التهليل والتهويل من خلال شاشات الفضائيات، حاولوا - بمنتهي الوقاحة- الإيحاء بأن الشرطة والجيش كانا وراء السبب!!!