تستعد مصر في هذه الأيام، بكل أطيافها وتياراتها وقواها السياسية والشعبية، للمشاركة في حفل العرس الديمقراطي الذي انتظرته طويلا، وإجراء أول انتخابات برلمانية حرة منذ ستين عاما، ويأمل الجميع في أن ينهي هذا العرس حالة الفوضي التي تمر بها البلاد، وأن يكون بداية لتأسيس حقيقي لمصر المستقبل. وكم أسعدني أن تنتشر بين التيارات والحركات الإسلامية المختلفة في هذه المرحلة، دعاوي يقودها العلماء والدعاة وخطباء المساجد، تؤكد علي ضرورة التوافق ووحدة الصف وعدم الفرقة بين العاملين للإسلام في الانتخابات القادمة، وهي حالة تعبر بوضوح عن درجة عالية من الوعي الديني والسياسي، ورؤية ثاقبة تهدف إلي تغليب مصلحة الوطن في هذه الظروف، وهي أيضا دليل علي أن مساحة الاتفاق بين التيارات والحركات الإسلامية تزداد وتنمو في عصر الحرية. هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد تحتاج، كما أسماها فضيلة الشيخ صفوت حجازي، في خطبة الجمعة الماضية في مسجد راغب بمدينة 6 أكتوبر، إلي عضو البرلمان الذي يوصف بأنه "القوي الأمين"، مصداقا للآية الكريمة "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وفسر القوة بأنها قوة الحق والعزيمة والإصرار علي تحقيق آمال الوطن، وفسر الأمانة بأنها الالتزام بصدق وتجرد بقضايا الأمة، وأكد علي ضرورة مشاركة المرأة المسلمة بكل قوة لدعم المرشح "القوي الأمين". ومن ذلك أيضا ما قرأته وسمعته من العالم الجليل الشيخ محمد عبد المقصود، وهو القيادي المعروف والبارز في التيار السلفي، وهو يدعو إخوانه وتلامذته ومحبيه وكل مسلم إلي اختيار ذوي الخبرة والرؤية والتخصص، من أصحاب الاتجاهات الإسلامية المختلفة، ويحذر من الاعتماد علي العاطفة وحدها في اختيار للمرشح، التي تتجلي علي المظهر الديني وحده، وهو بذلك يقدم المثل والنموذج للعالم والفقيه البصير، الذي يري ضرورات واحتياجات المرحلة، ويتعالي علي الحزبية. ومن ذلك أيضا ما أعلنته "الجبهة السلفية" أوائل هذا الأسبوع، ونشرته الصحف علي لسان المتحدث الإعلامي باسمها د. هشام كمال، من أنها قررت، بعد أن راجعت مشايخها وعلماءها الأجلاء، الدعم الكامل لمرشحي حزب "الحرية والعدالة" في الانتخابات الحالية، وأكد بيان الجبهة أنهم (أي مرشحي الحرية والعدالة) "أكثر القوي الإسلامية علي الساحة خبرة، وأن دعمهم يحقق المقاصد الشرعية من المشاركة في البرلمان، وهي تحقيق طموحات وآمال الشعب المصري". أيضا استمعت من خلال القنوات الفضائية وال "يوتيوب" إلي علماء ودعاة كثيرين في الأيام الماضية، ينتمون إلي التيار السلفي الواعي، ومنهم الشيخ الدكتور أحمد النقيب، وهم يدعون أيضا إلي التوافق حول أهل الخبرة في هذا الميدان، وإعطاء الفرصة لمن هم أكثر دراية بالعمل السياسي والبرلماني من أبناء التيار الإسلامي، ويثنون ثناء طيبا علي مرشحي الإخوان المسلمين، وضرورة دعمهم والتصويت لصالحهم، وعدم تشتيت الأصوات بما يصب في صالح دعاة العلمانية واليساريين. وفي الوقت ذاته تؤكد تصريحات قادة الإخوان المسلمين، ومسئولي حزب "الحرية والعدالة"، علي أهمية وضرورة التعاون والتنسيق والتكامل مع الجميع، وبخاصة الأحزاب والقوي والتيارات الإسلامية، التي تشارك في العمل السياسي وتخوض الانتخابات لأول مرة، ويبدون استعدادهم الكامل لتقديم الدعم والخبرة السياسية والبرلمانية لإخوانهم، وصولا إلي إتاحة الفرصة أمام الجميع للمشاركة الجادة في رسم خريطة مصر الحرة .. مصر المستقبل. هذه المواقف الشامخة للدعاة والعلماء وقادة الحركة الإسلامية وأئمة المساجد، تؤكد أننا إزاء مرحلة تاريخية مهمة، يتعالي فيها أبناء التيار الإسلامي الواعي علي الانتماء الفرعي إلي الانتماء الأساسي للدين، وينظر فيها الكل بعين المصلحة العامة للأمة وللإسلام، إنها مصر الحرة.