أساس أي نهضة علمية وثقافية الترجمة، أي التواصل مع علوم الآخرين وتوسيع الأفق المتاح والتأسيس، في القرن الرابع الهجري ومع صعود الحضارة الاسلامية بعد الفتوحات التي أسست للامبراطورية عرف العالم العربي مشروعين كبيرين، دار الحكمة في بغداد، وبيت الحكمة في القاهرة، الأول رعته الخلافة العباسية والثاني الخلافة الفاطمية، ثم ترجمة التراث اليوناني إلي العربية بواسطة مترجمين من طائفة السوريان، والمسيحيين الشرقيين من كلدان واقباط وغيرهم. نلاحظ ان العصور التي شهدت حركة واسعة للترجمة تبعها صعود وقوة، وان العصور التي قلت فيها الترجمة وشحبت تلاها الضعف والوهن واستشراء القوي المتخلفة علي كل المستويات، في العصر الحديث اسس محمد علي باشا الدولة المصرية الحديثة، ومهما اختلفت الآراء حول تجربته، فلابد لكل من يشرع في التفكير حول مستقبل مصر من دراسة مشروعه الذي جعل من مصر قوة عظمي خلال سنوات قليلة، الترجمة كانت جزءا من المشروع الاكبر للنهوض بالتعليم، أوفد محمد علي البعثات الي اوروبا، الي فرنسا وايطاليا والنمسا وروسيا، وللامير عمر طوسون كتاب هام وطريف عن البعثات التي اوفدها محمد علي وقد اعادت مكتبة مدبولي طبعه خلال الاسابيع الاخيرة وسوف اتوقف عنده، تم تأسيس مدرسة الالسن اقدم المعاهد العلمية بعد الأزهر، ويشاء القدر ان يلعب الدور الرئيسي في نهضة الترجمة شاب ازهري اوفده شيخه حسن العطار ليكون إماما للطلبة، غير أن الشيخ رفاعة الطهطاوي تفوق علي الجميع، لم يكتف بدوره ومهمته ان يؤم الصلاة فقط، بل تعلم الفرنسية ودرس علومها وعاد ليكون مؤسسا للنهضة الثقافية والاب الشرعي للثقافة المصرية الحديثة، وليشرف علي اضخم حركة ترجمة تمت في تاريخ مصر الحديث حتي الآن، ذلك انها لم تتجه الي ترجمة الاثار الادبية فقط، إنما إلي ترجمة العلوم مثل الهندسة والطب والفلك، وهذا ما لم يتحقق في القرن الأخير رغم اتساع حركة الترجمة خلال الستينيات في المشروع الثاني للنهضة الذي عرفته مصر في زمن جمال عبدالناصر والذي اجهض عام سبعة وستين وإن كانت روح مصر قد بدأت محاولة الصعود من جديد وبلغت الذروة في يناير الماضي خلال ثورة المصريين الفريدة والتي يجب ألا يغيب عنها جوهرها في خضم ما نمر به من سلبيات.