تحديات صعبة تزداد ضراوتها يوماً بعد يوم في مواجهة الثورة المصرية، وهناك أطراف عديدة تتجاذب هذه التحديات وتلقيها بغير هوادة في سبيل الثوار الذين فجروا الثورة ومازالت أقدامهم لم تلمس الأرض بعد. ومن عجب الأمور أن يقتحم الأبواب علينا من يدعي أنه من أصحاب الثورة وله فيها نصيب، وكأيّن من هؤلاء لم يكن حتي ليتمني أن تنجح هذه الثورة، أو يرحل النظام ورموزه لأنه كان يقتات عليهم ويستوي في نظره المصلح والمفسد. فهل بعد هذه المعاناة والكفاح والثمن الفادح الذي دفعناه، هل يستوي الذين أصلحوا والذين هم مفسدون؟! حقاً أنها المهزلة التي بدأت فصولها تتضح مع أول ثمرة يستعد الشعب لقطافها من نتاج الثورة، التحول الديمقراطي إلي دولة مدنية، قد لا نعلم حتي هذه اللحظة.. أبرلمانية أم رئاسية أم خليط، هذا ما صارت إليه الأمور بسبب الاستفتاء المتعجل الذي أُجبرنا علي ابتلاعه في لحظات النشوة بسقوط رأس النظام، وأتصور أن ثمن هذه العجلة يدفعه الشعب الآن إلي عجلة أخري، ربما تكون كما يقول القائل من الشيطان. والقطاف يلمع في الأفق كأنه الأعناب دانية، لكن الأيدي الممتدة تتدافع إليه متصارعة علي أكبر قدر منه دون النظر إلي عدالة يحتمها العهد الذي تعاهدنا عليه في ميدان التحرير في الأيام الأولي للثورة. وفي مثل هذه المواقف الشائكة لا ينبغي أن تستمر الأمور علي منوالها لتفرض الواقع، حتي إذا استيقظنا وجدنا أن الثورة غابت عن وليدها، وأن الوطن اختطفه قوم كانوا يتربصون به، وها هم الآن يقبضون عليه. لقد سمعت من فقهاء الدستور ما بعث في نفسي خوفاً وحرك فيها شكاً وريبة، فهل يصدق حدسهم وتنتهي التجربة التي نحن مقبلون عليها سراعا كإنما إلي نصب نوفض، أم هو الاحتمال فنمر من عنق الزجاجة إلي عنق آخر يغلق أمامنا أبواب الرحمة في دستور عادل آمن يحقق الاستقرار والأمان والراحة للوطن بأسره. وكنت دائماً أتساءل أيكون هذا الذي نسعي إليه برلماناً للمرحلة القادمة أم إنه سيكون لصياغة الدستور وتنصيب الرئيس ثم ينفض فلنبحث عن برلمان آخر أقل عرضة للحل والتفكيك بسبب الثغرات الدستورية التي بدأ الإعلان عنها من اليوم. ألم أقل لكم إن التحديات ضارية، والدولة التي نحلم بها جميعاً قد تكون بعيدة عنا الآن، لكنها لن تكون مستحيلة إذا أراد الشعب ذلك. مصرع القذافي.. أقاويل الغرب لم يختلف أحد علي أنه رجل كان يعيش خارج الزمن، وأن أفعاله كانت تدل علي وجود خلل ما في عقله، وأنه تسبب في الكثير من المعاناة لإناس أبرياء، ولقد ظل السؤال الذي يطاردنا حتي اليوم، لماذا تركه شعبه في السلطة اثنين وأربعين عاماً، والمؤكد اليوم أن القذافي قد صرع في الفضاء العريض لوطنه بيد الثوار ظاهراً ولكن يداً أخري من الغرب كانت تحرك السكين، وأن الآلة الحربية لأعداء الأمة العربية حطمت البنية التحتية الليبية كما حطمت العراق من قبل تحت ذريعة أن هذا هو الحل الوحيد للإطاحة بالقذافي ونظامه وإفساح الطريق للثورة.. والمؤكد أيضاً أن التمثيل بجثته كما حدث في جثة صدام حسين بعد إعدامه كان متعمداً، ومؤلماً لأي نفس إنسانية، ما بال الإسلام الذي يحرم التمثيل بجثة أي إنسان مهما كانت ديانته أو مهما كانت جرائمه، كم كنت أتمني ألا يقع الثوار الشرفاء في ليبيا في هذا الفخ. ويل لهذا الكذاب حين يلقي مصيره أجزم أن هذا الرجل لن تجدي معه أية معالجة، فالخيانة تجري في دمه مثل كائن حي فيروسي، يتعايش معها، فأصبح الكذب شرعاً من أصوله فمازال يكذب حتي يصدق نفسه ويرتوي بآلام ضحاياه الذين يقعون في فخاخه التي يحدثها ويطورها مع كل طور من أطوار حياته، يعدم الشرف في مآربه وينحني أمام اليد التي تمتلك المال والسلطة حتي إذا لعق ما يبغي بحث عن يد أخري ليقبلها ويلعقها، وهكذا منذ أن بصرت عيناه طريق »السامري« واتخذ من الكذب لباساً بدلاً من لباسه الأول الذي لوثه قبل أن يتقاعد عنه في سن مبكرة.. ويل له من أكاذيبه.. وويل له من رب الناس.