يسوؤني كثيرًا أن أكتب بالشَّيْن عن مجمع اللغة العربية »الخالدين» المستكين بجوار نيل الزمالك الهادئ؛ ليس فقط لأنه المكان الأقرب لروحي القلقة بعد دار العلوم، وليس لأنه الحصن الأخير في المنافحة عن لغة الضاد؛ بل لأن المجمع يُمثل بالفعل منذ قرار إنشائه عام 1932 حالة فريدة بين المجامع العربية والعلمية الأخري؛ فرادة ألقت بشباكها إلي بحر الحياة المعرفية المصرية والعربية فاصطادت لنا لآلئ العباقرة، ويكفي أن نسرد أسماء: العقاد وطه حسين وإبراهيم مدكور وشوقي ضيف وكمال بشر وأبي همام وفاروق شوشة وغيرهم من الأفذاذ أولي الفضل والسعة لنعلم كيف ضم هذا المكان العتيد خلاصة العقل المعرفي المصري.. ولكن، وآه منها كلمة، خلف من بعدهم خلفٌ لم يرثوا ما ألفوا أساتذتهم عليه، ذكاء وألمعية وإخلاصًا للمنبر اللغوي، فتراجعت إصدارات المجمع وارتكست علاقته بالحياة العلمية والمهارج الأدبية وانحسر فيضانه المعرفي عن الدارسين، وأضحي يُخاطب نفسه في غيابات الجب بلا جليس أو أنيس، ويكفي أن تحضر ندوة من ندواته لتجد أن المنصة تتحدث لنفسها، هذا إن حضرت أصلا! الأدهي من كل هذا أن المجمع لا يُعطي كبير اعتبار للوائحه المنظمة، وكأنه ميناتور إسباني يعيش في متاهته الخاصة، أو دون كيخوته تأخذه الجلالة فيحارب طواحين الهواء ويُوجعها طعنًا وقتلًا، ويحسب نفسه في كل هذا بطلا مغوارًا ومحاربًا عنتيلًا وينسي أنه مسكينٌ يستحق الشفقة.. يُغفل مسئولو المجمع أو يتغافلون أن الإخواني محمد الجوادي، الذي يُدافع عن الأراذل وأفكارهم المُخربة، لايزال عضوًا بالمجمع رغم غيابه عنه لخمس سنوات كاملة، وبالمخالفة للقانون 14 لسنة 1982، حيث تقول المادة 22: »تسقط العضوية عن عضو المجمع في حالتين: إذا صدر ضد عضو المجمع حكم قضائي في جناية أو في جنحة ماسة بالشرف، وإذا غاب العضو عن جلسات المجلس أو لجانه بغير عذر أو اعتذار دورة كاملة من دورات المجمع، ويصدر قرار سقوط العضوية في الحالة الأولي من رئيس المجمع بمجرد التحقق من قيام السبب الموجب لسقوط العضوية، ويصدر سقوط العضوية في الحالة الثانية من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس المجمع بأغلبية ثلثي أعضائه».. هذا هو قانون المجمع الذي يتجاهله المسئولون تعصبًا لزميلهم. وربما يكون د.الجوادي قد تفوق علميا طوال رحلته المعرفية، ولكن هذا لا يعني أنه يُمكنه اهتبال حق ليس له وعضوية قد سقطت عنه بعدما ازورَّ عن الوطن وصدف عنه واتخذ غير سبيل المصلحين.. وربما يصف الإخوان الإرهابيون د.الجوادي بأبي التاريخ أو خاله أو جده، كديدنهم في المبالغة بتبجيل أئمتهم، ولكن التاريخ نفسه سيذكر أن أبا التاريخ هذا قد نكص علي عقبيه ونقض غزله جميعًا. متي يلتفت مسئولو المجمع إلي لائحتهم فيطبقونها دونما »عناد» ويرفعون الواغش عن أنفسهم، أم يحسبون أنهم بعيدون عن أيدي الدولة؟