خبيئة كنوز الدنيا، ومنجم خصوبة العالم، وخزائن الثروات المذهلة والموارد التي لا تعرف الحدود، طميها ذهب، وأنهارها عجب، في عذوبتها وتدفقها واستمراريتها، وهي مستودع المعادن الثمينة الباهرة، وغاباتها متاحف مدهشة، وأحراشها معارض للطبيعة البكر، فوق أرضها تمتد الجنات التي تحتضن أعظم مجمع للتنوع الأحيائي، والثروة الحيوانية، علي أديمها تستلقي البسط الخضراء التي تتشابك فيها عجائب النباتات وكرائم الثمرات، وبدائع الشجرات، وأروع باقة من الفواكه والخضراوات، لذا كان طبيعيا أن تثير الوديعة الإلهية في الأرض السمراء البهية أطماع المفترسين وتسيل لعاب المتربصين والقناصين الذين تكالبوا علي إفريقيا.. القارة والعالم الفسيح، ولكنها بشعوبها الفتية الأبية رفضت أن تظل رهينة المصائر المرسومة لها من قبل الحاقدين عليها، والطامعين فيها، وكأنها الأقدار الحتمية، لذلك انطلقت حركات التحرر الوطني في ربوعها، حيث أبت أممها أن تظل فريسة يتحلق حولها الصيادون الذين أعدوا الخطط الممنهجة لتشكيك أبناء السمراء في قدرتهم علي إدارة شئونهم بأنفسهم، واستثمار مواردهم لصالح مواطنيهم، وقد هدفت هذه الخطط الشريرة المعدة بإتقان إلي زعزعة استقرار البلدان حتي لا يستطيع أبناؤها امتلاك أدوات الارتقاء بها، وعلي الصفحات التي اجتازها الركب الإفريقي تنحفر ملامح رحلة كفاح، وتجارب نجاح وتعاون وثيق بين بلدانها، وفي القلب مصر.. السند الدائم، والملاذ الآمن، والمرفأ الدافئ، وسط أمواج الجشع العاتية، وحملات »الاستلاب» الشرسة، كل هذا وأكثر، حاولت هذه الموسوعة – سواء في الأصل والمختصر - أن توثقه. قصتان للأصل والفرع للموسوعة الأم التي حملت عنوان »التاريخ العام لإفريقيا» قصة وللموسوعة المختصرة حكاية أخري، فالأصل المطول كان مشروعا طموحا أنجزته منظمة »اليونسكو» للمرة الأولي عام 1981، حين كان يرأسها الإفريقي »محمد مختار إمبو»، وقد أشرف علي تحريرها المؤرخ »البوركيني» »جوزيف زيربو»، وكان المشروع يهدف إلي أن يكتب المؤرخون البارزون من أبناء إفريقيا تاريخ قارتهم بعيدا عن الهوي البغيض، والغرض الدنيء، والتحيز المرتبط بأهداف »استلابية»، وبالفعل صدرت الطبعة الأولي في مطلع الثمانينات بعدة لغات في مقدمتها: الإنجليزية والفرنسية والعربية إلي جانب ألسنة إفريقية كالسواحلية ولغة الهوسا، وفاقت الموسوعة في شمولها وعمقها سائر الموسوعات الأخري التي حاولت معالجة نفس الموضوع واستقصاءه وفي مقدمتها مشروعا جامعتي »أوكسفورد» و»كامبريدج» الشهيرتين، وصارت الموسوعة الإفريقية المكتوبة في معظمها بأيدي المؤرخين من أبناء القارة مرجعا أساسيا للباحثين في التراث الثقافي الإفريقي من أقدم العصور وحتي التسعينات من القرن الماضي، في أحدث طبعاتها، أما المشروع المصري لتقديم خلاصة مجلداتها الثمانية، فقد بدأ باقتراح من النائب د.السيد فليفل عضو مجلس النواب، وأحد أعضاء لجنة إفريقيا بالمركز القومي للترجمة التي يرأسها د.حلمي شعراوي - خبير الشئون الإفريقية الذي أسند مهمة إنجاز الطبعة المختصرة من الموسوعة المطولة إلي مقدم الاقتراح د.السيد فليفل. خطوات قبل الإنجاز ولأجل تنفيذ المقترح، تكونت لجنة للإشراف علي إنجاز الطبعة العربية المختصرة من الموسوعة المطولة ضمت: د.السيد فليفل، ود.حلمي شعراوي، ود.فرج عبد الفتاح، وعبر تعاون وثيق بين مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ووزارة الثقافة التي حصلت علي حق إصدار الموسوعة في طبعة مختصرة، انطلق هذا المشروع الطموح، وقد أسهمت في إنجازه اثنتان من كبريات مؤسساتنا الثقافية هما: دار الكتب والوثائق القومية، والمركز القومي للترجمة. مشروع يواكب الأحداث وقد جاء اكتمال المشروع، وصدور مختصر موسوعة »التاريخ العام لإفريقيا» باللغة العربية مواكبا لتسلم مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي منذ أيام، ويقع المختصر في أربعة مجلدات صدرت في نسخ ورقية، وأيضا علي أقراص مدمجة ويضم هذا المختصر نصف حجم مادة الموسوعة الأصل، وبالتحديد 45% منها، وتقدم الطبعة العربية خلاصة وافية عبر 3236 صفحة وتتصدي للرد علي الأباطيل التي حاول الطامعون في الموارد الإفريقية إلصاقها بالقارة السمراء، ومواجهة افتراءات الشائعات المتدينة التي روجوها لكسر إرادة أبنائها، مثل قضية إدعاء تخلفها، وعدم أهلية شعوبها لصناعة الحضارة، وعجز دولها عن تقرير مصائرها، والارتقاء ببلدانها، وقد جاء الغوص في تاريخها والمحطات المصيرية في رحلتها عميقا، أسهم فيه عشرات المؤرخين والباحثين من أبناء القارة، وذلك لاستخلاص الحقائق الدامغة، وبلورة الأدلة الحاسمة، والمعلومات الناصعة، لفضح الأكاذيب المتقنة والشائعات الوقحة التي تسعي إلي تشكيك شعوب القارة وأبنائها في قدرتهم علي بناء أوطانهم وحماية كنوزهم، ويبدو أن الموسوعة -التي تصدر في هذه الآونة المناسبة - تحاول أن توفر رصيدا علميا رصينا، ومرجعا مؤثرا محكما، في محاولة لاستعادة ثقة أبناء إفريقيا في أنفسهم، وترسيخ جذور انتمائهم لبلدانهم، عبر قراءة تاريخهم المشرف، بعيدا عن زلزلة المرجفين الطامعين في القارة البكر التي لاتزال مشحونة بالأسرار، محتشدة بالإمكانات الهائلة، والثروات المذهلة، لذا فهي دائما حبلي بالوعود، وواثقة في وفائها بعهودها.