في فترة صعبة سابقة من تاريخنا، تصور البعض أن في إمكانهم نقل مركز الثقافة والفن في الوطن العربي من القاهرة. وتوهموا أن الثروة يمكن أن تجعل بيروت -رغم جمالها- بديلة للقاهرة !! كانت هناك ظروف اقتصادية صعبة، وكانت هناك مشاكل في التعامل مع بعض الفنانين من جانب أجهزة مالية أو أمنية. وكانت هناك مشاكل شخصية عند البعض، وطموحات في تجربة جديدة عند البعض الآخر والتقت كل هذه العوامل لنري عدداً كبيراً من الفنانين بعيداً عن الوطن لفترة طالت، ولنري من يحاول استغلال ذلك للانتقاص من مكانة مصر والتأثير علي موقعها الرائد في الثقافة والفنون . وكان طبيعيا ألا تستمر المحاولة طويلا. كبار الفنانين أدركوا أنهم لا يستطيعون الابتعاد عن مصر وأنهم لن يحققوا شيئا كبيرا وهم خارجها. ومصر -من جانبها- تعاملت بجدية مع الأمر. أنهت المشاكل وأزالت التعقيدات التي شكا منها الفنانون أوصلت لهم رسائل محبة وتقدير كانوا في حاجة لها . وربما كان أحد الأدوار الرائعة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم هو هذا الدور الذي لم يتحدث عنه أحد، والذي أدت فيه »ثومة» دورها علي أكمل وجه في الحديث مع نجوم كبار في ضرورة العودة إلي مصر التي لم تغادرهم أبدا. وكانت أم كلثوم تعتبر أنها بذلك تستكمل دورها العظيم في هذه الفترة وهي تجوب العالم لتغني من أجل مصر العائدة للنصر مهما كانت الظروف والتحديات. ولم يطل الأمر. عادت طيور الفن إلي أوكارها في أحضان مصر، عاد يوسف شاهين ومعه عدد من كبار السينمائيين ليستكملوا مشوار الابداع من عاصمة السينما العربية وعاد النجوم ليستعيدوا بريق النجومية الذي لا يزهو إلا عند نيل مصر. وعادت أصوات جميلة في مقدمتها أصوات لبنان الجميلة والعاشقة لقلعة العروبة. وسمعنا فريد الأطرش يغني اشتياقا لمصر: »سنة وسنتين.. يا مصر يا عمري يا نور العين» وسمعنا صباح تغني »سلمولي علي مصر» وقدم محرم فؤاد أجمل أغنياته »سلامات يا حبايب» . لا أعرف لماذا تذكرت ذلك بالأمس لكني أعرف أن الكثير من فنانينا اليوم في حاجة مثلي لأن يتذكروا وأن يتعلموا درسا ً جديداً من رمز للفن والوطنية اسمه: أم كلثوم .