في العدد الجديد من مجلة "المرايا"، يكتب هشام أصلان عن (أدب السيرة.. البعض يمنحنا أعمارا فوق أعمارنا) متناولا العديد من كتب السيرة، بعضها كتبه أصحابها مباشرة، وبعضها كتبه أشخاص عنهم... وأشار إلي كتابي "الجنوبي" عن الشاعر أمل دنقل، الصادر قبل ثلاثين عاما، لكنه (علي ما يبدو) لا يزال صالحا لإثارة الدهشة!!.. وحثني علي كتابة هوامش أخري علي السيرة (سيرة الجنوبي) والدخول في الحوار.... يقول صديقي هشام أصلان، ممتدحا كتاب الجنوبي: (لو أنها صبرت قليلا، لكانت رواية بديعة).. ولا أعرف المقصود بالصبر، والصبر لماذا اذا كانت الرواية ليست طموحا، واذا كانت قصدية تحديد (النوع) لا تعني شيئا... المؤكد برأيي ان كتب السيرة لم يكتبها أصحابها كعمل إبداعي، لا يطلقون العنان لخيالهم، بقدر ما يلاحقون الواقع، ويمسكون بالذاكرة... احيانا تطل الذاكرة عفوية تكتب ما يخطر لها، وأحيانا أخري تكون انتقائية تمسك عن أشياء وتبوح بأخري.. وهو ما يعني أن كتابة السيرة ليست أمينة تماما، أو ليست دقيقة تماما.. تسقط وقائع وأشخاصا ولقاءات في الطريق، أحيانا بصورة شعورية متعمدة، وأحيانا بصورة لاشعورية وعفوية!!... لم يكن "الجنوبي" صورة فوتوغرافية مطابقة، أجزاء من الصورة لم تطل، وأجزاء أخري لعب الضوء والظل تأثيره الكبير عليها.. تلك هي الرؤية التي تعيد صياغة الحكاية بصورة تتلاقي والإبداع... بعد "الجنوبي" قاطعني لسنوات كاتب عربي، كان حريصا علي زيارة أمل دنقل في معهد السرطان بشكل دائم، كان ودودا وفخورا بمعرفة الشاعر... عاتبني بعد سنوات من صدور الجنوبي (لقد أشرت في كتابك بالاسم إلي صحفي سعودي، لم يعرفه أمل دنقل يوما، ولم يلتق به، بينما لم تذكري كثيرا من الأصدقاء المقربين، ويقصد نفسه بالطبع)!!... وكان محقا بمنطق الكتابة الفوتوغرافية، ودفتر الأحوال ورصد التفاصيل... لكن السعودي العابر، مر في لحظة أمام الغيبوبة، وانحني إلي رأس أمل دنقل مخاطبا إياه (قاوم).. عندها فتح أمل عينيه وتمتم: (لا املك سوي المقاومة).. وعاد إلي الغيبوبة.... (ونتابع غدًا)...