• علم الاجتماع : ظاهرة خطيرة • فقيه ديني: لا يجوز شرعاً خبراء: غياب الوعي القانوني وتدني المستوي الثقافي أبرز الأسباب تخلت عن ضفائرها واللهو مع رفيقاتها في فناء المدرسة.. ترك هو الآخر طفولته واغتيلت براءته وألقي بألعابه الصغيرة بعيدًا، ليضع علي كاهله مهمة صعبة وهي تكوين أسرة و»فتح بيت» رغم أنه لايزال طفلًا »شكلًا ومضمونًا»، هذا هو حال 117 ألف طفل، أعمارهم من 10 إلي 17 عامًا، أوضاعهم مأساوية ما بين متزوجين ومطلقين، حسب آخر الإحصائيات الرسمية آخر هذه الوقائع الغريبة لزواج الأطفال، هو الفيديو المنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي والخاص بحفل خطبة طفلين أعمارهما لا تتجاوز 15 عامًا بمحافظة كفر الشيخ، هذه الواقعة ليست الأولي ولن تكون الأخيرة، هذه الوقائع باتت ظاهرة مجتمعية ذات خطورة كبيرة تهدد أطفال مصر، خاصة بعد التقرير الأخير الصادر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذي كشف أن عدد الأطفال أقل من 18 عامًا في مصر 39 مليون طفل، بينهم 117 ألفاً في الفئة العمرية من 10 إلي 17 عامًا متزوجون ومطلقون، موضحًا أن محافظات الصعيد سجلت أعلي نسبة في زواج الأطفال وطلاقهم، إذ بلغت نسبة الزواج 50.8%، في حين بلغت نسبة الطلاق 51.6%.. والنسبة في زيادة مستمرة مما يعمل علي ارتفاع معدلات الطلاق التي بلغت في عام 2018 وفقاً لتقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء، مليون حالة، وهو ما يهدد المجتمع بظاهرة التفكك الأسري.. وهو ما يتناقض مع نص الدستور في المادة رقم 80 من أن سن الطفولة هو سن 18 عامًا. »الأخبار» تناقش في هذا التحقيق ظاهرة زواج الأطفال، وما هي تداعياته وخطورتها علي المجتمع، وترصد عددًا من الحالات التي خاضت هذه التجربة القاسية.. أفراح وسعادة عارمة بين الأهل والأصدقاء، إنها الليلة التي ينتظرها الجميع.. لكن لم تدرك الفتاة الصغيرة صاحبة ال17 عامًا كم المعاناة التي تنتظرها، بعد أن وافقت »م.ح» علي الزواج من نجل عمها صاحب ال 18 عامًا بعد إقناع وإلحاح من عائلتها. عاشت الفتاة ابنة محافظة الشرقية عدة أشهر فقط في سعادة ورخاء، إلي أن بدأت المشاكل مع زوجها تعصف بحياتها.. ونظراً لقلة خبرتها في التعامل مع مثل هذه الأزمات كانت الأمور تسير من سيئ إلي أسوأ علي الرغم من حملها.. رزقت »م.ح» بطفلها الأول وبعدها بعام فقط جاء إلي الدنيا مولود آخر، واستمرت في حياة زوجية تعيسة لا تخلو من المشاكل إما بسبب تصرفات زوجها الطائش، أو تحكمات حماتها التي تتعمد إرهاقها وإهانتها، حتي طفح الكيل بها وطلبت الطلاق. سنوات تعيسة بصوت مليء بالحسرة والمرارة علي سنوات طفولتها التي ضاعت هباء تقول: »تحملت الكثير من المتاعب علي أمل أن تتحسن طباع زوجي بعد أن أصبح أبا لطفلين، إلا أن مشاعر الأبوة لم تتحرك بداخله، واستمرت أفعاله المراهقة تظهر علي أطفاله كما كان يحدث معي.. فذهبت إلي منزل والدي بعد أن قام زوجي بضربي وإهانتي أمام والدته وشقيقته، وهي ليست المرة الأولي، فأصبحت حياتي لا يمكن احتمالها، ولذلك أصريت علي الطلاق وهو ما حدث بالفعل بعد فشل كافة محاولات الصلح». وتتابع: »قضيت ثلاث سنوات تعيسة، لم أر فيها أي مشاعر أو تحمل للمسئولية علي الرغم من حالته المادية الميسورة، ولكن يبدو أن قرار الزواج من البداية كان خاطئاً، فكنا مجرد مراهقين لا نفقه شيئاً في الحياة الزوجية». عادات وتقاليد في الآونة الأخيرة ظهر فيديو انتشر علي مواقع التواصل الاجتماعي لحفل خطبة طفلين يبلغ عمرهما 15 عاما فقط، وهو ما أثار موجة من الغضب والانتقادات، الواقعة حدثت في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، للطفلين فارس وندي في الصف الثالث الإعدادي. يقول شريف، والد الطفل فارس، إنه يعمل في تجارة الخضار والفاكهة، ونجله يعمل معه بجانب الدراسة ويحرص دائما علي المذاكرة والنجاح في الامتحانات، ويشير إلي أن القصة بدأت منذ حوالي 5 أشهر بعد أن طلب منه نجله الموافقة علي خطبته من فتاة يرغب في الزواج منها، فلم يجد أي مانع من الموافقة خاصة أن مسألة الارتباط في سن مبكرة هي عادة بالنسبة لهم. ويضيف أن فارس نجله يعمل معه في التجارة ويجني الكثير من المال، حتي أنه أصر علي دفع نصف ثمن »الشبكة» للعروس من الأموال التي يدخرها، ولذلك لا يوجد مانع علي الإطلاق من إقدامه علي هذه الخطوة. وتضيف والدة الطفل فارس، أن ما حدث يعد من العادات والتقاليد ولا توجد به أزمات، فالجميع كان يرغب في أن تعم الفرحة والسعادة بين الأسرتين. وتتابع أن نجلها ليس بصغير علي الزواج فهو في المرحلة الإعدادية ويعمل مع والده ويستطيع بسهولة الاعتماد علي نفسه وإعالة زوجته.. كما أن أسرة الفتاة لم تمانع هي الأخري من إتمام الخطبة. وفي محافظة بني سويف تم تداول صور لطالبين بالصف الثاني الثانوي أثناء الاحتفال وسط زملائهما وعائلتهما، داخل قاعة أفراح بكورنيش النيل بالمدينة.. إلا أن والد الفتي نفي كونها حفل زفاف، وإنما فقط قراءة فاتحة وتقديم الشبكة لعروسته وابنة خالته، في حفل عائلي. ويضيف حمادة الفيومي أنه اتفق مع نجله شهاب الذي يعمل في معرض للأغراض المنزلية بجانب دراسته، بأن يكون الزواج بعد انتهائهما من الدراسة وأن حفل الخطبة تهدف إلي التحفيز والتشجيع فقط، وإنما الاهتمام بالدراسة هو الأهم خلال الفترة المقبلة. امتداد تاريخي التربية والتنشئة السليمة عليهما عامل كبير، وللأسرة دور رئيسي في المعالجة، فما هي أسباب الظاهرة وكيف يمكن التصدي لها هذا ما حاولنا التوصل له مع عدد من الخبراء المختصين.. في البداية يؤكد د.محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعه عين شمس، أن الزواج عموما يحتاج للعديد من المتطلبات البيولوجية والنفسية والعاطفية، فلابد من أن تتوافر هذه المتطلبات لأي شخص مقدم علي الزواج ولكن في الفترة الأخيرة انتشرت ظاهرة زواج الأطفال، وهي مشكلة لها امتداد تاريخي لعقود داخل المجتمع المصري خاصة الريفي. ويشير عبد العزيز أن انتشار هذه الظاهرة يرجع إلي تدني المستوي الثقافي والعلمي لدي الأبوين اللذين لا يعلمان المراحل الطبيعية لنمو النشء وما هي العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن هذا الجهل فضلا عن أن العادات والتقاليد لبعض العائلات في الأرياف وفي صعيد مصر تجبر الأبوين علي ستر الفتيات كنوع من العفة وفي اعتقادهم أن ذلك سيحميهم من الأقاويل داخل هذه القري.. ويضيف أن ميول الأطفال يتغير عند وصولهم مرحلة الشباب مما يسبب مشاكل عائلية وعواقب تضر كثيرا بمصالح الروابط العائلية.. ويشدد أن الاتفاق بين العائلات علي عقد خطبة أو ارتباط مؤقت لحين وصولهم للسن القانونية سيعجل بزواجهم في سن مبكرة مما يسبب حرمان القاصر من تكملة مشوار تعليمها ومن حقوق الطفولة التي من المفترض أن تعيشها في هذه المرحلة العمرية بالإضافة إلي فقدانهم الحنان والدفء الأسري من والديهما لتصبح بين يوم وليلة زوجة رغما عنها. ويشير إلي أن هناك صراعا نفسيا قد يصيب الطفلين ينجم عن بعض المشكلات النفسية كالهيستريا والفصام والاكتئاب والقلق والاضطرابات الشخصية واضطرابات في العلاقة الزوجية والخوف وفقدان الشعور بالأمان وهذا يؤكد أنك أمام أسرة حتميا ستكون مفككة لأنها لم تبن علي أسس ومتطلبات صحيحة من البداية. شروط وأحكام أحيانا يتخذ البعض ستارا بأن الزواج في سن مبكرة أمراً محبباً شرعاً ويحث عليه الدين، ولكن ما حكم الدين في ظاهرة زواج الأطفال.. يجيب إبراهيم محمود، الداعية الإسلامي، بأن القرآن عظم الزواج وأسماه بالميثاق الغليظ وخصه بالعديد من الشروط والأحكام لإتمامه، أولي هذه الشروط أن يكون قادرا، حيث أكد الرسول »صلي الله عليه وسلم» في حديثه الشريف »من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، والباءة هنا في الحديث معناها القدرة وهذه القدرة لا تأتي للأطفال القصر بكل تأكيد لأن الطفل لا يستطيع تحمل مسئولية زوجته وأولاده ولا يقدر علي إعالة نفسه. ويشير محمود أن العلماء وضعوا شروطا للزوجة أهمها أن تكون مطيقة، وتعني قدرتها علي تحمل الحمل والإرضاع وتحملها لأعباء الزواج، فالطفلة الصغيرة في حكم العرف لا تطيق الزواج في هذه السن، وإن إجبارها علي الزواج يعتبر عبثا بكتاب الله وسنة رسوله. ويري الداعية الإسلامي، أن مراعاة الشرائط والأحكام التي تحكم هذا العقد المقدس هو الحل الأسلم لتجنب المشاكل النفسية والجسدية التي تترتب علي مثل هذه الزيجات. من جانبها تقول داليا صلاح، مديرة المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، أن هناك مشاكل عديدة تترتب علي زواج الأطفال منها أن الطفلة لا تضمن حقوقها كاملة في حالة إنجابها للأطفال، حيث يولد طفلها ساقطا للقيد مما يضطرها للجوء للمحاكم لرفع دعوي قضائية لإثبات النسب والتصديق علي عقد هذا الزواج الذي يعتبر عرفيا لأنه يكون قبل السن المحددة للزواج بالإضافة إلي أنها قد تتعرض لمشاكل مختلفة، فعلي سبيل المثال في حالة وفاة الزوج قبل إتمام الطفلة السن القانونية يكون طفلها مجهول النسب. وتؤكد: »تلقينا العديد من الحالات علي خط نجدة الطفل بالفعل فنقوم بالتدخل في الحال من خلال عمل بلاغات في الأقسام بهذه الحالات حتي نستطيع السيطرة علي هذه المشكلة وذلك في حالة ما إذا لم يتم الزواج، ولكن في حالة إتمام الزواج فيعتبر والد القاصر شريكا في الجريمة طبقا لقانون الطفل 126 لسنة 2008 لموافقته علي زواج ابنته موضحة أن هناك بعض الآباء يقومون بإخفاء العقد لحين إتمام الزوجة العمر المناسب ثم يتم التصديق عليه في المحكمة. ثقافة العقوبة اجتماعياً تعتبر ظاهرة زواج الأطفال من أخطر المشاكل، فكيف يفسر علم الاجتماع هذه المشكلة؟ وما هي الحلول التي من الممكن الاستفادة منها.. يوضح د.طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع، أن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب الوعي القانوني لدي قطاع كبير من المواطنين مهما كانت العقوبات مشددة، وتتزايد الأزمة عندما يكون هذا القطاع هو المتهم الأول في انتشار تلك الظاهرة، مشددا علي ضرورة إقامة حملات إعلامية وثقافية ودينية واسعة، ولابد من تدخل الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف ليحرموا هذا الزواج حيث إن العقوبات وحدها غير كافية. ويضيف أن المواجهة الشاملة والصارمة لكل من تسول له نفسه تأييد هذه الثقافة كفيلة بأن تجعل مصر خالية من زواج الأطفال في وقت قصير، ولكن تحقيق ذلك يتطلب نشر الوعي بثقافة العقوبة علي أوسع نطاق، بالإضافة إلي ضرورة توعية الأسر الريفية التي تزداد بينهم ظاهرة زواج الأطفال أنهم مهددون إذا تمت هذه الزيجات.