«هنصحى بدري ولا متأخر؟».. سؤال حير المواطنين مع تغيير توقيت الساعة    هل تتغير الساعة تلقائي في الهاتف مع بدء التوقيت الصيفي؟    عاجل - قوات الاحتلال تقتحم نابلس الفلسطينية    صلاح: على جوميز عدم التأليف أمام دريمز.. وهذا هو أفضل تشكيل للزمالك    لقاء محتمل بين الأهلي والزمالك في أفريقيا هذا العام.. تفاصيل    مصر تضمن لقبي بطولة الجونة للاسكواش للرجال والسيدات بعد تأهل 4 للاعبين للنهائي    النيابة تقرر حبس المتهم في واقعة إنهاء حياة «طفل» شبرا الخيمة    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تتوقع انخفاض درجات الحرارة اليوم الجمعة    حظك اليوم برج الدلو الجمعة 26-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حفل افتتاح الإسكندرية للفيلم القصير يحتفي بالدورة العاشرة    كريم فهمي يروج لفيلم «السرب»: انتظرونا 1 مايو    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    الحوثيون يستهدفون سفينة في خليج عدن ويطلقون صواريخ مجنحة على أهداف في إيلات    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    لطفي لبيب ل صدى البلد: برتاح على سيرة أشرف عبد الغفور    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    أمريكا تستعد للإعلان عن عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    "أكسيوس": مباحثات سرية بين مصر والاحتلال لمناقشة خطة غزو رفح    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    الزراعة: منافذ الوزارة تطرح السلع بأسعار أقل من السوق 30%    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    رضا عبدالعال: إخفاء الكرات بمباراة القمة كان في صالح الأهلي    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مديح الموت
نشر في الأخبار يوم 26 - 12 - 2018

الحقيقة المؤكدة أن الموت ينتصر علي حياة الفرد وأن الحياة تنتصر باستمرارها وديمومتها علي الموت.
أصعب لحظة في تفكير الإنسان أن تحوّل شخصا عزيزا عليك من خانة الأحياء إلي خانة الموتي.. كيف تقوم بهذه العملية؟ هنا تتداعي عليك قصة حياته/حياتها أمام عينيك، تبدو بداية معرفتك به، ذكرياتكما معا.. شريط من الصور، الأمكنة، الأزمنة، الشخوص حتي تصل إلي لحظة تحويل كل هذا المتسع الجميل إلي نقطة متلاشية تتشبث بها أمام النسيان، كيف لكل هذه التذكارات أن تغدو نقطة في أفق سرمدي؟ هنا يبدو الحزن في صراع مع الصبر.. يأتي الحزن جبلا فوق الصدر والرأس.. يمضي في الشرايين باحثا عن العقل الذي يحاوره، يفزع فيه بآماله إلي تكذيب الخبر، ربما... ربما، لكن الحقيقة المؤكدة أن الموت ينتصر علي حياة الفرد وأن الحياة تنتصر باستمرارها وديمومتها علي الموت.
كتب الشاعر الإسباني جون مارجال قصيدة »في مديح الموت»‬ قائلا »‬إن أعظم ما نمدح به الموت أن نقول: إنه لا يوجد» ولم يكتب غير هذه الجملة ومات في اليوم التالي.
كيف يوجد الموت ونحن لم نره ونحن لم نمر به؟ - كما تساءل أستاذنا الدكتور الطاهر مكي - رحمه الله - سيظل الموت ردفا للحياة ونحن نركض بينهما، حين نلقي الموت ستنتصر الحياة.
هواتف الموتي:
في مقابر الموتي باليابان وضعوا علي باب المقبرة شاشة بأرقام سرية يعرفها أهل المتوفّي، فإذا زاروا موتاهم فتحوا هذه الشاشة لتعرض عليهم صور المتوفي وسيرته ومواقفه وآراؤه.. وبهذا تعود وكأنك قد لقيت الميت واستقبلك وحكي لك عن حياته، فكيف لو وجّهنا الكاميرا إلي جثمانه وما حلّ به عبر السنين؟
أتساءل: ماذا أفعل بأرقام هواتف الموتي وهي مصفوفة مخزّنة أمام عيني بهاتفي... هممت أن أحذفها.. وأعترف أني حذفت بعضهم لكن يدي لم تطاوعني لحذف أسماء تعيش فيّ ولم أستطع حذفها للأبد.
المقابر الإلكترونية:
مقابر تطوف عبر النت لصفحات ومواقع أقامها أصحابها ثم رحلوا عن دنيانا، صاروا عظاما لكن أضرحتهم الإلكترونية تطوف عبر أرجاء المعمورة، كيف تتصفح ضحكاته أو ضحكاتها وهي تمشي مختالة بنفسها وجمالها؟
كيف غدت؟ وكيف تركوها دونما تحديث؟ هل ستبقي أو أن عوامل النسيان ستنهي هذه الصور/ المدوّنات التي فقدت أصحابها.
الشيخ كمال حجزي:
ما دار في خلَدي أنّي سأرثيه.. فقد رأيته أستاذا لي في الإعدادية والثانوية.. كان يعشق القرآن الكريم واللغة العربية، أوْرثنا هذا العشق.. ربما لا يعرف المدرس أو الدكتور الجامعي كيف يؤثّر في تلامذته.. كان يعلو منبر المسجد العمري بقفط، وبصوت منخفض يُفسر القرآن الكريم، عندما كنت صغيرا كان أبي - رحمه الله - يأخذني معه إلي زيارة عالم الصعيد الشيخ أحمد عمر حجزي الذي كان حجة في الفقه وكان مقصد السائلين في عصره، ورث الشيخ كمال حجزي عن جده هذا الحكمة والهدوء وحب الناس والعلم، كان الشيخ أحمد رضوان قطب السالكين يزوره في مضيفته عندما يمر بقفط...
وكم سعدت وأنا أراه في بيتنا مع الشيخ أحمد عبد الله إمام المسجد العمري في ضيافة أبي.. كان حوارهم حول الدين والدنيا، ولا يخلو من فكاهة، وبيت شعر وقصة طريفة، ربما لم أكن أستوعب كل ما كانوا يتدارسونه بينهم لكني أتذكر أني كنت محط اهتمامهم وتشجيعهم.
في مدرسة قفط الإعدادية كان الأستاذ كمال حجزي يبحر في بحار النحو والصرف والشعر والقصة، كان يأخذ بيتا شعريا واحدا يشرحه نحوًا ومعني وبلاغة وصرفًا.. تنتهي الحصة ليستلف من الحِصة التالية بعضها أو كلها ليتم شرح البيت، كان مكتبة عامرة تمشي علي الأرض، لم يؤثر في تكويني معلم مثله وكان بجانب الأستاذ السيد أحمد مصطفي الجندي القادم من الإسكندرية والأستاذ فتحي النجار (أمد الله في عُمريْهما) كان هذا الثلاثي الرائع أكثر الناس تكوينا لعشقي العربية، وابتدأ حب الشعر والسرد لديّ من خلال تعليمهم وإخلاصهم.
لم أر الشيخ كمال حجزي جالسا في حصة، وإنما كان يظل طول الوقت واقفا شارحا سائلا.. هل نجد هذه النوعية الآن في مدارسنا التي يهرب طلابنا منها؟
في الثانوية كان الشيخ كمال حجزي المدير أو الناظر- في عصرنا - ومع ذلك كان يترك كرسي النظارة ليأتي لنا الفصل شارحا ومجيبا عن أسئلتنا الكثيرة للإفادة منه، وكان هذا ما تعلمته وطبقته في حياتي، فلم انقطع عن تدريس طلابي منذ تعييني معيدا بالجامعة سوي الفترة التي شغلتُ فيها منصب الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة ثم رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة.. رأيتُ أن طلابي هم الكنز الحقيقي، أخذ الشيخ كمال يفسر القرآن الكريم متخذا من التفسير البياني منهجا له، يجمع بين أسلوب عالم البلاغة ومعلم الجماهير يبسط الأمر للسامعين الذين يتحلقون حوله في مجالس الصّلح (القودة) التي فَدَتْ أرواحا كثيرة، يبصِّرهم بأهمية نشر التسامح بينهم، كيف تتقدم البلاد ومايزال الثأر ينتشر؟ يتعب كثيرا ويطوف القري والمدن حتي يقنع المتحاربين بالصلح، وكم يكون فرِحا وهو يري هؤلاء مصافحين بعضهم البعض..
أود من محبيه أن يجمعوا ما سجلوه من تفسير القرآن الكريم ومن خُطَبِه حتي تصل إلي أكبر عدد من الناس، لم تسجل له القنوات التليفزيونية والإذاعات سوي القليل.
قبيل شهرين أجري عملية جراحية بالمستشفي الجامعي أسرعتُ إليه، كان مبتسما وظل يدعو لي ويدعو لعائديه وللعاملين بالمشفي، قبل أسبوع وصل إليّ نبأ انتقاله إلي دار المغفرة، كانت جنازته قد جمعت آلاف الناس الذين تجمّعوا دون اتفاق، شيء ما ناداهم، رأيتُ مجايلي وهم يلتفون حول أستاذهم ليشيعوه إلي مثواه الفردوسي.. ربما لأول مرة شعرنا أننا لا نصدق أن الشيخ كمال حجزي قد مضي دون عودة.. وأننا لن نسمعه مرة أخري.. مضي كل منا عائدا لكنه عاد معنا بصوته وعلمه وأخلاقه.. فقد فقدنا عالما نبيلا في خلقه ومبادئه.. لقد فقدنا زمنا جميلا. رحمه الله
المهندس عبد المعز أحمد إبراهيم
قابلته صدفة حكي لي عن منظمة الشباب وكيف كانت حلما وعن الاتحاد الاشتراكي وبداية الأحزاب بعد الثورة في عهد السادات، كان يري الحقبة الناصرية أفضل مرحلة في تاريخ مصر في القرن العشرين، وأن عبد الناصر غيّر مصر والقارة الإفريقية والأسيوية.
ظل علي حبه لعبد الناصر يذكره في كل مناسبة، من العجيب أنه يسرد الأحداث الماضوية كما لو كانت تحدث الآن.. كان مختلفا يُساعد المحتاجين يصلح بين القبائل المتخاصمة والأفراد يجمعهم حوله ولا يعلن عن نفسه، مع التكافل القبلي لكن ضد القبيلة إذا انحرفت عن العقل والنقل، كان صاحب فكر وفلسفة تطبق الاشتراكية في مجتمع قبلي، وساعد الأرامل في إيجاد عمل ومورد رزق لهن ولأطفالهن، اشتري سيارات ليعمل الشباب عليها، ربما ضاعت ثروته في هذه المشاريع لكن ثروته الحقيقية في حب الناس له، في زرعات الخير التي تركها في قلوب من يعرفه ويقدره، عندما زرته بالمستشفي الجامعي في مرضه الأخير حدثني عن واقعة طريفة قائلا: أنا لي في أرض الجامعة 900 فدان وضحك قلت له كيف، قال عندما كنت عضوا بالمجلس المحلي لمحافظة قنا وأردنا تخصيص أرض لإقامة جامعة اقترح الحاضرون تخصيص 100 مائة فدان أرضا للجامعة وقدم أحدهم طلبا بذلك فاعترضت وقلت ماذا تفعل الفدادين المائة؟ واقترحت 1000 فدان فما كان من المحافظ عبد الحفيظ الباجوري إلا أن أيدني في مطلبي وأمسك الطلب وأضاف صفرا للمائة فدان لتصبح ألف فدان وتُقام عليها كليات الجامعة الآن وأعالج بالمستشفي الجامعي بها وتصبح أكبر جامعة مصرية من حيث المساحة.
تكلم معي عن مشروعات جديدة للشباب ولاسيما البيئة الفكرية التي ينبغي أن تحتضنهم وتحميهم من الانحراف الفكري...
كان رجلا مختلفا...رحمه الله
كلمات عن الموت :
ما ماتَ من قد ماتْ
بلْ ماتَ من سيموت!
لا أكره الموتَ لكني أسائلهُ
هل ذقت ما أنت بالإنسان فاعلهُ؟ (شاعر قديم)
عِم صباحا أيها الصقر المٌجنح عِم صباحا،
سنة تمضي، وأخري سوف تأتي
فمتي يُقبل موتي
قبل أن أصبح مثل الصقر صقرا مستباحاً !!؟ (أمل دنقل)
صاحِ هذي قبورنا تملأ الرُحبَ
فأين القبور من عهد عادِ
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض
إلا من هذه الأجساد
سر إن اسطعت في الهواء رويداً
لا اختيالاً علي رفات العباد
رُب لحدٍ قد صار لحداً مراراً
ضاحكٍ من تزاحم الأضداد (أبو العلاء المعري)
في النهايات تتجلي البدايات
سيجيء زمانٌ ويقال :
- »‬إن قصيدته قد جاءتْ ما اكتملتْ»
- ذاك لأني حين ترجَّلْتْ
أبصرت أمامي الموتْ
ففتحتُ ذراعيَّ أعانقهُ.. فارتدَّ سريعاً..
وخطوتْ
حفرَ الموتُ الحفرةَ..
... فكبوتْ!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.