ما الذي يحتاج إليه الإنسان والأسرة البشرية، حاجة ماسة وملحّة ومتصلة؟ إنها الحاجة إلي السلام، فهو هبة من الله لكل إنسان نقي القلب وهو الدليل الأكيد علي حضوره في قلب الإنسان. السلام هبة الله وعمل البشر » طوبي لصانعي السلام فانهم أبناء الله يدعون» (متي5: 9)، هو عطش روحي دائم بدونه لا تستقيم حياة الإنسان، وهو غاية الحياة وسبيلها إلي الارتقاء والتنمية، فلا حضارة ولا أمن ولا استقرار دون سلام حقيقي. أولاً: السلام مهدّد من اللامبالاة. اللامبالاة هي موقف من يُغلق قلبه حتي لا يضع الآخرون في عين الاعتبار، ويغلق عينيه حتي لا يري ما يحيط به فلا تلمسه مشاكل الآخرين. وللأسف في عصرنا تخطي هذا الموقف الاطار الفردي ليأخذ بعداً عالمياً. إنَّ أول مظاهر اللامبالاة هي تجاه الله، والتي منها تنبع اللامبالاة تجاه القريب والخليقة. يمر عالمنا المعاصر بموجات تحاول ان تطفئ نور الله في أعماق الإنسان، فهناك دعوة إلي الحياة من أجل الحياة فقط، فلا دينونة ولا مكافأة للصالحين، إذ يعتقد الإنسان أنه صانعٌ ذاتَه وحياتَه والمجتمعَ، وبالتالي بأنه مكتف ولا يدين لأحد بشئ إلا لنفسه، ويدّعي أنه يملك حقوقاً فقط، وهناك من لا يري في الإنسان إلا حزمة غرائز تنهش وجدانه وتزلزل كيانه، ناسياً أنه مخلوق علي صورة الله ومثاله، خلقه الله عن محبة وأحبه لذاته ومصيره اليه. أمَّا اللامبالاة تجاه القريب فلها وجوه متعددة، هناك من هو مطلع بشكل جيد، يستمع ويقرأ ويشاهد البرامج، لكنه يقوم بذلك بطريقة فاترة، وكأنه في حالة ادمان؛ بمعني أنه يعرف ما يصيب البشر من مآسي، ولكنه لا يشعر بها، ويبقي نظره وعمله موجهين إلي نفسه فقط. إن نمو المعرفة والمعلومات في زمننا لا يعني بحد ذاته الاهتمام بالمشاكل، ما لم يرافقه انفتاح الضمير، أي أن يتحول إلي تضامن حقيقيّ. وجه آخر من اللامبالاة من يفضل عدم البحث وعدم الاستعلام، عائشاً في رفاهيته وراحته غير مبال لصرخة ألم البشرية المعذبة، كما لو كان كل شئ هو مسؤولية غريبة ليست من اختصاصه.كيف يمكن للإنسانيّة أن تمتلك سلامًا حقيقيًّا، وغالبية البشر في فقر وألم وعوز، وربما في جهل. يقول الوحي:» العدل والسلام تلاثما» (مز 85 : 10) فلا سلام دون حياة صالحة، ولا حياة صالحة بارة دون تضامن حقيقيّ. أما اللامبالاة تجاه الطبيعة، فإن تلوث الماء والهواء والاستغلال العشوائي للخيرات ودمار البيئة هي غالبا ثمرة لا مبالاة الإنسان تجاه الآخرين. فكل شئ مرتبط ببعضه البعض. هناك ارتباط وثيق بين تمجيد الله وسلام البشر علي الأرض، لان اللامبالاة تجاه الله والقريب تسبب انغلاقاً وتهرباً من الالتزام، وبالتالي غياب السلام مع الله والقريب والخليقة. ثانياً: طوبي لصانعي السلام فانهم ابناء الله يدعون ( متي 5: 9) إنَّ قيم الحرّيّة والاحترام المتبادل والتضامن، يمكن نقلها منذ سنوات الطفولة الأولي» فان كل بيئة تربوية يمكن أن تكون مكاناً للحوار والإصغاء، يشعر فيه الشباب بقيمة قدراته وغناه الداخلي، يتعلم كيف يتذوق الفرح النابع من العيش اليومي للمحبة للقريب، ومن المشاركة في بناء مجتمع أكثر إنسانية وأخوة» تشّكل العائلة المكان الأول لزرع ثقافة السلام والتضامن؛ حيث تعيش وتنقل قيم المحبة والأخوة والتعايش والاهتمام بالآخر.إن العائلة كما يشير سينودس العائلة وسينودس الشباب هي البيئة المميزة لنقل الإيمان، بداية من أولي بوادر التقوي البسيطة التي تعلمها الأمهات لأبنائهن. يتعلق الأمر بعد ذلك بالمربين والمكونين في المدارس ومراكز التجمعات للأطفال والشباب، وعلي هؤلاء أن يدركوا أنّ مسئوليتهم تتعلق بالأبعاد الروحية والخلقية والاجتماعية للشخص. أما العاملون في الحقل الثقافي والإعلامي ووسائل الاتصالات الاجتماعية، فإن مسئوليتهم كبيرة في مجال التربية والتنشئة نظرًا إلي اتساع إمكانية الدخول إلي هذه الوسائل.ويقوم واجبهم في أن يضعوا أنفسهم في خدمة الحقيقة لا المصالح الخاصة، فالتربية تؤثّر إيجابا أو سلبّا علي تنشئة الأجيال كلها. ثالثًا: المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السّلام وفي الناس الفرح والمسرة (لوقا 14:2) »لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم اعطيكم...» (يوحنَّا 27:14) هذه كلمات السيد المسيح إلي تلاميذه؛ وكذلك بعد القيامة بادرهم بقوله »السلام لكم» في كل مرة يظهر لهم (يوحنَّا 20 :19-21). وفي بشارته لمريم بادرها الملاك بقوله »السلام لك يا مريم» وبالتالي إفرحي يا مريم لأن السلام يولد الفرح، كما يقول القديس اغسطينوس :»لا توجد كلمة تبعث فينا السرور وتهزنا من الأعماق عند سماعها أكثر من كلمة السلام» نرفع صلاتنا متحدين مع قداسة البابا فرنسيس الذي يصلي من أجل شرقنا العزيز، وبدأ زيارته لمنطقتنا العربية مصر وقريبًا الإمارات.... ليؤكد وحدة الجنس البشري، فليبارك الرب خطوات المحبّة والسّلام. نتحد مع الآباء المطارنة وكُلّ بطاركة وأساقفة كُلّ الكنائس في الصّلاة والفرحة. من هذه الكنيسة نصلي من أجل وطننا الغالي مصر، ومن أجل سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ونبعث إليه برسالة محبّة وتقدير علي جهوده من أجل نهضة مصر وازدهارها وبناء السلام في العالم. تحية إلي قواتنا المسلحة ورجال الشرطة وإلي كل شرفاء هذا الوطن، ولا ننسي شهداءنا فهم إكليل مجد للحاضر والمستقبل. نصلي من أجل الأمهات والآباء الذين يسهرون علي تربية أبنائهم ويبذلون حياتهم لبناء مستقبلهم.