واقعة تداول مقطع فيديو وصور لمصور دنماركي يدعي أندريس هافيد فوق سطح الهرم وما تضمنه من مشاهد خارجة وغير أخلافية ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في ظل تقاعسنا عن استثمار آثارنا بالشكل الأمثل بما يحقق إضافة للدخل القومي من ناتج القطاع السياحي. أتفق تماما مع من يري أن الواقعة أخذت اهتماما أكثر من اللازم تمثل في غضب جامح علي مواقع التواصل الاجتماعي وأتفق تماما مع د. خالد العناني وزير الآثار بتحويل الأمر برمته للنيابة العامة حتي تقطع الشك باليقين حول ما إذا كان هذا الفيديو حقيقة أم مزيفا والكشف عن مرتكبيه ومعاقبتهم.. وأري أن أي كلام حول الواقعة ذاتها نوع من المزايدة ولننتظر ما تراه النيابة. ولعل تلك الواقعة وغيرها تدفعنا دفعا للبحث عن وسائل خارج الصندوق لاستثمار آثارنا التي تمثل ثلث آثار العالم أجمع حتي لا نحول منحة الأجداد إلي محنة تتوالي وقائعها دون حراك. ماذا يمنع من إشراك القطاع الخاص المصري أو العربي أو الأجنبي في إدارة المواقع الأثرية بحرفية مقابل مبلغ معلوم للدولة وتحت إشرافها ورقابتها بدلا من ترك الأمر لمنطق الهواة في التعامل مع السياح داخل المواقع الأثرية فالسائح ليس عبيطا ولم تعد تجدي معه حيل قديمة عفا عليها الزمن وأكل وشرب مثل »تشتري كلب» أو »اركب جمل». في كل دول العالم النامي والمتقدم هناك شركات متخصصة في إدارة المواقع السياحية والأثرية تدر المليارات وتدفع حق الدولة.. وتلك الشركات تعمل وفق خطط للترويج أولا للمكان سياحيا أو أثريا حتي تجتذب السياح كما تبتكر أنشطة ترفيهية تدر دخلا وفي الوقت نفسه توفر الاستمتاع للسائح، بجانب دور تلك الشركات في اجتذاب وفود سياحية بما يصب في النهاية في الناتج الإجمالي.. وعلي الدولة أن تستفيد من التجارب الناجحة في هذا المجال وأبرزها الفنادق المملوكة للدولة والتي تدار من قبل شركات عالمية وتدر أموالا للدولة تكفي عمليات التطوير والصيانة بل وتحقيق أرباح.. وأقترح هنا تشكيل لجنة وزارية يرأسها رئيس الوزراء وتضم وزراء السياحة والآثار وقطاع الأعمال العام والمالية لبحث السبل الكفيلة باستثمار مواقعنا السياحية والأثرية علي الوجه الأكمل. الأمر الثاني والذي لا يقل أهمية هو جانب وعي المواطن بأهمية قطاع السياحة وكيفية التعامل مع السائح وكذلك ماهية الآثار الخالدة التي تركها لنا الأجداد ولعل في اتجاه وزارة السياحة للتعاون مع وزارة التعليم للنهوض بالوعي العام لدي المواطن بأهمية السياحة بإضافة »الأخلاق السياحية» للمناهج التعليمية ما يحقق المطلوب من المواطن تجاه دعم قطاع السياحة في بلده بدلا من ابتكاره حيلا غريبة مريبة لابتزاز السياح بأن يبيع زجاجة المياه المعدنية علي سبيل المثال بعشرين جنيها أو أكثر والأمثلة كثيرة لا داعي لحصرها. وفي هذا الصدد ليس هناك ما يمنع من إشراك وزارة الآثار في التعاون المنتظر بحيث يتضمن المنهج التعليمي المراد عمله كلا من جانبي السياحة والآثار التي تمثل حتي الآن عصب السياحة الوافدة إلي مصر، بجانب إشراك الخبراء من السياحة والآثار والاقتصاد في هكذا أمر مهم حتي يأتي المنهج المنتظر شافيا وافيا يغطي كل أبعاد القضية فالهدف في النهاية تعزيز جوانب الجذب السياحي لمصر وزيادة الدخل القومي. وفي طريقنا لإعداد منهج تعليمي يساهم في الجذب السياحي والحفاظ علي آثارنا يجب أن نكون ملامسين للواقع وأن نبتعد بقدر الإمكان عن العبارات المطاطة وأن نراعي عقلية المواطن بتوضيح وببساطة أهمية النشاط السياحي لاقتصاد البلد ككل فمعرفة المواطن علي سبيل المثال بأن السياحة من أكبر القطاعات التي تساهم في النمو الاقتصادي بنسبة مساهمة 20% من الناتج المحلي الإجمالي كفيل بأن نضمن دعمه للقطاع ونقله لتلك الصورة لغيره من المواطنين لنصل في مدي زمني معين إلي رأي عام محلي قوي داعم لقطاع السياحة.. ولعل أزمة قطاع السياحة الأخيرة والتي أثرت بالقطع علي العاملين بالقطاع من مستثمرين وعاملين خير دليل علي أهمية إنعاش هذا القطاع الذي تحاول الدولة جاهدة بالتعاون مع الجهاز المصرفي لإقالته من عثرته، خاصة أن القطاع السياحي من أكثر القطاعات في مصر توفيرا لفرص العمل خاصة في أوقات الرواج. أجدادنا كانوا كرماء معنا والطبيعة تتعاطف معنا بالجو المعتدل والمواقع البيئية المتنوعة وعلينا استثمار منحة الأجداد لتكون نعمة للأحفاد وليست محنة لا يعرفون كيفية استثمارها.