تعرضت في مقالات سابقة وفي سطور شديدة الاختصار لنشأة الصوفية وتطورها وبعض رموزها.. وكان الدافع الرئيسي وراء ذلك هو التصريحات المستفزة التي تتابعت في الشهور الماضية من أحد المتنافسين علي المشيخة وهو شيخ الطريقة العزمية، والتي بدأ بها اقتحام عالم لا علاقة له بالصوفية من قريب أو من بعيد وهو عالم السياسة. والترويج المكشوف الذي عرض له الدكتور أبوالعزايم لمدي سلطاته وكيف انه علي رأس كتلة كبيرة من الشعب المصري تصل إلي 51 مليونا.. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح وسط كل هذا العرض السريع هو هل هناك أي علاقة من نوع ما بين هذه الكتلة الصوفية وبين جهات خارجية.. الجواب هو ان أي منطق أو عقل أو أي تفكير بسيط يقول ان المخابرات المركزية الأمريكية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تترك مثل هذه الكتلة الضخمة من المواطنين في مصر أو في أي مكان بالعالم دون ان تحاول بطريقة أو أخري التواصل معها واسوق في هذا الإطار واقعة شهدتها بنفسي.. في الثمانينيات كنت اعمل في احدي دول الخليج.. قابلت في يوم ما أحد الشباب من الفلاحين المصريين المعدمين سألته فعرفت انه ينتمي إلي طريقة صوفية لا داعي لذكر اسمها.. وقال لي انه يحل ضيفا علي أحد الإخوة وهو في طريقه إلي أمريكا.. ولما سألته عرفت انه سبق له أن سافر إلي أمريكا بنفس الطريقة شخص يتصل به في قريته يرتب له كل شيء.. سألته عما حدث في زيارته الأولي فقال: لا شيء مجرد زيارة ولقاء مع الاخوة في أمريكا الذين يتناوبون ضيافته.. أخذت ادقق فيما يدور من احاديث فعرفت انهم يسألون اسئلة شديدة البراءة عن كيف يأكل كيف يشرب كيف ينفق علي أولاده كيف يعيش الفلاحون في قريته ما هي المحاصيل ما هي المشاكل كيف يتم الزواج.. عدد المطلقات.. حجم انتاج الأرض التي يزرعها.. كيف يبيعه وعشرات الاسئلة التي تتناول أدق وابسط التفاصيل.. بالطبع الاسئلة بريئة ولكنها لا تصبح كذلك عندما يتم تخزينها في الكمبيوتر لتخرج بذلك نتائج باهرة تجعل مصر والريف المصري أشبه بشخص عار تماما كما ولدته أمه في تقارير المخابرات الأمريكية وبالتالي أمام الموساد مما يجعل كل ما يتعلق بخريطة الريف المصري متاحة امام الراصدين في المخابرات المركزية والموساد واقول هنا ان السبب في ذلك هو أن الامكانات الخرافية لاقمار التجسس تستطيع ان تري »كابلا« للكهرباء مدفونا علي عمق 03 سنتيمترا عن سطح الأرض ولكنها لا تستطيع ان ترصد كيف يفكر الفلاح المصري ولا ماهية العلاقات في القرية وهو ما تعوضه أجهزة المخابرات بمثل هذه الزيارات يكمل هذه الاتصالات البريئة اتصالات أخري مع النخبة من خلال حفلات الروتاري، والدردشات التي تجري خلال اجتماعاتها الخيرية البريئة.. بهذه الطريقة كما قلت نصبح عرايا تماما امام الأجهزة الخارجية وامام الموساد بالذات الذي احب هنا أن أصفه فأقول ان اسرائيل ليست كما يظن البعض كيانا أو دولة أو بلدا وإنما هي - في اعتقادي- مجرد فرع للمخابرات المركزية الامريكية مزروع في الشرق الاوسط لتغطية المنطقة العربية وافريقيا، واعود الآن للسؤال المهم.. هل هناك اتصال ما بين الكتلة الصوفية وأي جهات خارجية.. المعروف ان البقشيش الذي تنثره أمريكا علي منظمات المجتمع المدني يذهب إلي اشخاص.. هؤلاء الاشخاص يتحدد نصيبهم حسب مركزهم من الكتلة التي ينتمون إليها أو يمثلونها أو يؤثرون فيها.. فما يحصل عليه شخص مثل سعد الدين إبراهيم سيختلف بالتأكيد عما يمكن ان يحصل عليه شيخ طريقة صوفية يدعي ان وراءه الملايين من المريدين الذين يتحركون بإشارة من اصبعه من هنا يمكن ان نفسر الصراع الشرس علي منصب شيخ المشايخ فهو الشهادة المعتمدة التي يمكن ان يتقدم بها الشخص إلي الذين يتولون توزيع البقشيش الدولاري.. هذا الأمر يمكن ان ينكشف بوضوح عندما تستعيد حكومتنا شجاعتها المفقودة وتعلن لنا قائمة باسماء منظمات المجتمع المدني التي تلقت جزءا من كعكة الأربعين مليون دولار- والتي تؤهل نفسها الآن لتلقي دفعات جديدة من البقشيش المرصود لهذا الغرض والذي اعلن انه سوف يصل إلي 031 مليون دولار.. المسألة إذن اكبر من مجرد صراع علي الزعامة في المجلس الصوفي الأعلي.. المسألة أكبر بكثير من التيار الصوفي وخروج مستفز ومرفوض عن مساره التاريخي وانغماس مكروه في مستنقع فاسد ومشبوه لا علاقة له بالصوفية أو الصوفيين.. علي التيار الصوفي وبسرعة تصحيح مساره وتعديل انحرافه والتفرغ للعبادة وهو نشاط من اشرف الأنشطة وأبقاها وأعظمها.. مع نصيحة مخلصة هي التوقف تماما عن التصريحات المستفزة والمشبوهة والتي لاتخدم لا الصوفية ولا الصوفيين.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد. ولله الأمر