لا يكاد يمر أسبوع دون أن تخرج إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معلنة عن عقوبات جديدة ضد الحلفاء قبل الأعداء. وتحولت القمم الكبري بين ترامب ورؤساء العالم في الأشهر الأخيرة لمادة للاستهلاك الإعلامي الخاوية في محتواها العملي من أي رؤية مستقبلية لأن المناقشات التي تجري أثناء اللقاءات تكون غامضة لا يعرف عنها أحد غير ترامب ومضيفيه. وفي الوقت الذي يستمر فيه الرئيس الأمريكي في إظهار الود والترحاب خارج الولاياتالمتحدة يظهر وجه آخر للرجل ما أن تطأ قدماه البيت الأبيض فيخرج معلنا عن عقوبات جديدة للدولة التي كانت بالأمس تكتب عن نجاح قمته وفرص التقارب المستقبلي مع بلاده. واستطاع ترامب في أشهر قليلة أن يشعل حربا اقتصادية مع روسيا وتركيا وحربا تجارية مع الصين ودول آسيا والمكسيك وكندا وحربا في النفط وربما حربا عسكرية مع إيران وحربا دبلوماسية كبري علي فلسطين ولم نعد نسمع شيئا يذكر عن الحرب ضد الإرهاب وتنظيم داعش في سوريا والعراق. وتشبه هذه الأجواء إلي حد كبير العزلة التي فرضتها سياسات الرئيس الجمهوري الأمريكي السابق جورج بوش من موجة عداء عالمية أعقبت إشعال حروب استعادة الهيمنة الأمريكية علي العالم. واليوم يفعل ترامب الشيء نفسه بعقوباته وحروبه المتنوعة ولكن هذه المرة العداء لروسياوالصين يبدو أكثر حدة. وفي الوقت الذي تدرس فيه روسيا سيناريوهات الرد علي العقوبات الأمريكية التي أعلن عنها قبل يومين انتحر المنطق من السبب الذي تسوقه أمريكا لفرض العقوبات الجديدة. فهي ليست بسبب فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي لم تحدث من قبل في تاريخ أمريكا وإنما كان السبب» اللامنطقي» هو تسمم الجاسوس سكاربيل. وتدرس روسيا وقف التعاون العسكري مع أمريكا وعلي رأسه وقف تصدير محركات صواريخ. وقد يتخذ الرئيس بوتين قرارا بحظر استيراد كافة السلع الأمريكية إذا تطلب الأمر. ولن يخسر كثيرا فأرباح تجارته مع الصين يفوق حجم التجارة مع أمريكا بخمسة أضعاف. ولكن من المرجح أن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا ما هي إلا رسائل تحذيرية قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس خاصة أنه وافق علي العقوبات عقب اتهامات للرئيس ترامب بالتراخي والليونة في التعامل مع بوتين أثناء قمة هلسنكي. وهناك مخاوف روسية من تأثير العقوبات علي الروبل الذي فقد 6% من قيمته هذا الأسبوع. ولكن ليس هذا السبب الوحيد وإن كان الأهم فقد بدأت ملامح التحالف الدولي ضد أمريكا تظهر بوضوح من خلال عدة مواقف دولية حيث رفضت روسياوالصين اقتراحا للولايات المتحدة في الأممالمتحدة لوضع قائمة سوداء لمصرف كوري شمالي مقره موسكو وكيانين آخرين كعقوبة لإجبار بيونج يانج علي التفاوض وإلغاء برنامجها النووي. وأصدرت كوريا الشمالية بدورها بيانا تندد فيه بسياسات المحيطين بترامب والتي تبث الأكاذيب وتحثه علي استمرار العقوبات رغم إبداء كوريا حسن النوايا. في الوقت الذي كان فيه وزير خارجيتها في زيارة لإيران التي تؤكد أنه لا يمكن الوثوق بالولاياتالمتحدة بعد أن ألغت الاتفاق النووي. وقد يكون ذلك نتيجة طبيعية للعرض العالمي الكبير الذي قدمه ترامب في قمة القرن والذي لم يعرف أحد حقيقته حتي من الوفد الأمريكي الذي كان مرافقا للرئيس في سنغافورة. واستعصت تنبؤات المحللين عن التكهن بطبيعة الإتفاق السري الذي تم بين الرئيسين والذي بمقتضاه ظهر وجها آخر لكيم الذي كان رجل الصواريخ ليتحول إلي الزعيم المحب للسلام والذي يتبادل الرسائل السرية مع ترامب. وأصبح لسان حال العالم يقول : لماذا قد يحتاج العالم أمريكا بقيادة رجل العقوبات والجميع يستطيع أن يكون فائزا بدونه؟ فملامح التحالف الدولي القوي المنافس للهيمنة الأمريكية الذي تشكل قبل سنوات بين الصينوروسياوكوريا الشماليةوإيران سيستقطب المزيد من دول آسيا وأوروبا المتضررين من سياسات ترامب. فلا أحد يريد الخسارة ولا احد سيتخلي عن مصالحه لصالح أمريكا. وبلغة الأرقام التي يجيدها ترامب فتحالفات هذه الدول التجارية وإغلاق الأسواق العالمية أمام البضائع الأمريكية سيكبد بلاده خسائر كثيرة لن تعوضها انتصاراته الانتخابية.