لي رأي مختلف معهم، وهذا لا يفسد للود بيننا قضية، فالثورة لاتزال مشتعلة في قلوب المصريين منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير، وحتي ظن المتربصون بها أنها انطفأت بانطلاق محاكمة مبارك وإيداعه قفص الاتهام مسجي علي سرير متحرك، ولعل هؤلاء قد اختلط الأمر عليهم لشيء في نفوسهم يضمرونه، هؤلاء من أشاعوا الفتن وأذاعوا الخوف والذعر بين الناس لكي تلعن ألسنتهم الثورة واليوم الذي قامت فيه، وهم أيضاً من كانوا بالأمس ينشرون اليأس والقنوط من أدني حركة يمكن أن يقوم بها الشعب من أجل استعادة حقوقه وكرامته. ولقد أرادوا أن يختزلوا الثورة في وجوه بعينها، حتي يسهل الطعن فيهم وتشويه هذا العمل الكبير بتشويههم، ويظل النظام القديم كما هو في أرضية واسعة، لا تستطيع أي قوة أن تصل إليه في اندياحه واتساع مداه، ولكن الذين سولت لهم أنفسهم هذا، فشلوا وذهبت كل أفعالهم أدراج الرياح وارتد كيدهم في نحرهم، وكانوا يتربصون الدوائر أن تعود بهم ولكن هيهات لهم ذلك. وما فعلوه بالأمس فلن يفلحوا في كيدهم ولا في تخفيهم وراء أي قناع، لقد حاولوا اتهام الثورة بإعاقة الإنتاج وتعطيل الحياة، وإيذاء المواطنين في أرزاقهم، إنهم يزينون لنا سوء ما كانوا يصنعون، ويدفعون السُذج من الناس للخوض في شرف الثورة وهويتها، فكيف يحدث هذا، ومن أتاح لهم هذه المساحة العريضة حتي يخططوا وينفذوا ويقيموا جداراً صلداً من عدم الثقة بين الشعب الثائر الفائر وطليعة ثورته من الذين حملوا أرواحهم علي أكفهم وأكفانهم علي الأكتاف، الذين جرت دماؤهم تروي ميدان التحرير وميادين الثورة الأخري في شتي ربوع مصر. فليلعبوا غيرها، حين يتهمون المظاليم بالعمالة والخيانة ويقزمون ثورتهم إلي احتجاجات فئوية، لا حق لهم فيها، إنها أصوات فاجرة تعلو اليوم لتفصل الشعب عن ثورته، وكأنه ليس هو مفجرها وصانعها، وعليه أن يسكن ويهدأ ويترك كل شيء للمجهول الذي يقف علي أبواب مصر يحدد مصيره، وكل ذلك لأنه خلع مبارك وها هو مبارك في القفص يحاكم، وكأن ذلك هو كل الثورة وغايتها البعيدة. وليعلم كل ذي ضمير وطني بأن الشعب لا يزال يعاني من مصائب العهد البائد، وسيظل علي هذا الحال مادامت الأيدي الملوثة تمتد بنفوذها القديم في قري ونجوع مصر تحاول أن تلملم نفسها بأقنعة ورسوم مختلفة وللأسف تحت لافتات لأسماء كانت تدعي الطهارة والمعارضة لنظام الحكم السابق، وانكشفت حين لم تستطع أن تحافظ علي أقنعتها لفترة أطول، لقد زال خداعهم يوم وقعوا في أخطاء بسيطة التقطها المواطن المصري البسيط بفطنته وذكائه، وما كان ليحتاج إلي مذيع يتمتع هو الآخر بقدرة علي التلون لكي يكشفها له. إنهم مكشوفون أمام الناس تماماً لن ينطلي علي أبسط مواطن ما قدموه من خدمات جليلة للنظام السابق وما قاموا به من أدوار المعارضة الإعلامية والحب المحرم من خلف الكاميرات المأجورة. بلي هم يعيدون اليوم استنساخ صور قبيحة يبغون تجميلها بشكل مبتكر يخادع المواطن النظيف وما هو بخادعه، ويودون لو أن الثورة ماتت في الصدور، لقد أصبح الشعب اليوم كتلة صلبة واحدة يمثل ضمير تراكمت فيه الآلام وصبت بين نسيجه المحن. ثم صاغته الأيام والليالي الحالكة، شعب لا يعرف من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين وما هم كذلك، لا يعرف منهم إلا هذه المبايعات والتصريحات التي كانت دوماً تعقب لقاءهم بالرئيس المخلوع، وهم يقولون فيه ما قال المتنبي في سيف الدولة، الشعب قرأ هذه التصريحات وآخرها لم يكن ببعيد قبل الثورة بأيام، أهؤلاء هم المثقفون الذين يتنقلون اليوم من لقاء إلي لقاء.. أهؤلاء هم من يعكسون حقيقة ثورة هذا الشعب التي لم يفهمها أحد إلي الآن، وهي لاتزال كل يوم تومض بجديد في مفهوم الثورة والانتفاض علي الظلمة والجبابرة الذين تمكنوا طويلاً وأطلق لهم من يزعمون الثقافة المكاء والتصدية والإطراء من كل لون، إن الثورة مشتعلة في النفوس، لأن حقوق الناس لم تصلهم بعد، وهم قد ثاروا من أجل ذلك، وليس لأحد أن يمن عليهم ثورتهم، وإرادتهم التي سوف تصل حتماً إلي مبتغاها. دفتر أشعار الثورة إنهم توهموا بأن صمتك الطويل موت فلم يشاهدوا الأنهار تنبع من عيونك ولم يتملوا وجهك الذي يطلع منه الصباح ويجذب الأحلام من تدافع الرياح أولادك المحاصرون ينبتون من دموعك السخينة ويخرجون كالجياد من جراحك الدفينة ويفتحون ألف باب للكفاح