الشائعات من أخطر الأسلحة في الحرب وزرع الفتنة وتفريق الشعوب وأهم من استخدمها في الحروب الحديثة جوبلز وزير الدعاية النازي وكان شعاره اكذب ثم اكذب حتي يصدقك الناس وقد نجح في زعزعة الثقة في جبهة الحلفاء لكنهم مع الاصرار والدراسة الجيدة لأصل هذه الشائعات في بريطانيا بالذات انتصروا في النهاية ودفعوا هتلر إلي الانتحار. وما تواجهه مصر هذه الأيام من حرب شائعات مسعورة يشبه الحرب التي وجهها جهاز الدعاية النازي إلي جبهة الحلفاء الداخلية.. ففي نشرة أخبار واحدة علي لسان مذيع واحد شاهدتها منذ أيام تم نفي أكثر من عشرة أخبار كاذبة منها تقليص زراعات القمح وطرح بنزين مغشوش في المحطات وعجز الحكومة عن سداد ودائع الدول المستحقة ومرورها بأزمة مالية، ومصادرة للعقارات التي لم تسدد ضريبة، ولم يبق أمام المتحدث باسم الحكومة والمستشارين الإعلاميين بالوزارات والهيئات مع هذا السيل من الشائعات المسمومة إلا نفي شائعات الزواج والطلاق وصفقات الأندية وانتقالات اللاعبين! فقد عشنا حالة من القلق والانزعاج والخوف علي بلدنا وأحواله ولمست صداها في رسائل المراسلين واتصالات الأصدقاء والقراء.. ورغم أن الحكومة تصرفت بحكمة في التعامل مع هذه الأخبار سواء بالنفي أو بالدليل العكسي والبرهان القاطع لكنني أعتقد انها لم تنتشر هكذا عشوائيا بل الأكيد أن هذه الشائعات من فعل فاعل! صحيح أنني لا أؤمن بنظرية المؤامرة لكني لا أجد تفسيرا إلا استهداف مصر وشعبها، فهي ليست المرة الأولي التي تنتشر فيها مثل هذه الشائعات ولن تكون الأخيرة.. فكلما نجحت مصر في تخطي أزماتها وبدأت تشم انفاسها وتبني مستقبلها، زادت الحرب ومحاولات تحطيم المعنويات، من خلال سلاح السوشيال ميديا الذي ينقل ويفبرك ويخترع أخبارا وصورا مركبة وفيديوهات تبدو وكأنها حقيقية وبمجرد نشرها وتصبح في لحظات في متناول كل يد لا تحتاج طائرات جوبلز ولا اذاعاته حتي تنتشر.. وفي المقابل قامت الحكومة من خلال مركز دعم اتخاذ القرار بالرد وبالارقام ومن مصادر موثقة وهو دليل يقظة وانتباه أتمني أن يكون منهجا وأسلوبا دائم للقضاء علي هذه الشائعات بمجرد ظهورها.. لكن الخطورة أن هذه الأكاذيب تضع الحكومة دائما في موقف الدفاع عن النفس ! فرغم أن هناك إجراءات دائمة للتفتيش وتحليل عينات عشوائية من محطات الوقود وأن نتائج فحصها وتحليلها أكدت أنها مطابقة للمواصفات القياسية المصرية وعدم وجود اي غش.. إلا ان السوشيال ميديا كانت تصر وتروج لوجود غش وخلط البنزين بمواد اخري وهو أمر منافٍ للعقل خاصة في ظل وجود أجهزة رقابية لكن الحكومة اضطرت للرد والقيام بدورها.. وما حدث في البنزين حدث مع الموارد المالية والإيهام بالعجز عن رد ودائع الدول المستحقة رغم أنف شهادة الجهات الدولية وان مصر لم ولن تمتنع إطلاقًا عن رد أي مستحقات أو ودائع سواء لأشخاص أو لدول.. علي العكس من ذلك ارتفعت أرصدة الاحتياطي الأجنبي إلي نحو 44،258 مليار دولار في نهاية يونيو 2018 مقابل 44،139 مليار دولار، في نهاية مايو 2018، اي حوالي 119 مليون دولار.. كما اعلن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ان كل ما يدور ويتم تداوله شائعات تستهدف الإضرار باقتصادنا والتأثير علي مناخ الاستثمار.. فمصر وصلت إلي مراحل متقدمة اقتصاديًا، والحكومة تعمل علي وضع سياسات إصلاحية متوسطة وطويلة المدي، لخفض مستوي التضخم الذي تراجع بالفعل من 35% قبل عام إلي نحو 13% حاليًا. أمام هذا السيل من الأكاذيب الذي يربك الحقائق في عقل المواطنين أتساءل : لماذا لا نشكل لجانا هدفها دراسة دوافع مروجي هذه الشائعات وتحليلها وإظهار الحقائق أمام الرأي العام، ولماذا لا نجرب أفكارا إبداعية مثل الحملة التي تتبناها بريطانيا بعنوان سبتمبر بلا تصفح تستهدف في الأساس مستخدمي منصات السوشيال ميديا ( فيسبوك وانستجرام وتويتر وغيرها) فهي تضرب عصفورين بحجر واحد وتعيد السلامة والطمأنينة إلي مستخدمي هذه المنصات وتسهم في دعم أواصر الوئام مع أسرهم وفي نفس الوقت نستريح ونلتقط أنفاسنا من هذا الهم والكابوس الذي لا يكل ولا يمل من ترويج الاكاذيب ليل نهار!