المشهد كان مثيرا وداعيا للتأمل.. بل ومكملا لمشهد الثالث من اغسطس الجاري.. هناك حول المحكمة وداخل قاعة المحاكمة اختلط الكوميدي بالتراجيدي.. التبكيت بالتنكيت.. اصطدمت مشاعر الانسان بذكريات الطغيان! صباح الاثنين الماضي وجدت نفسي مستسلما للجلوس امام التليفزيون.. عزلت ذاكرتي عن أي موضوعات قد تؤدي للتشويش علي تفاصيل البث المباشر للحدث التاريخي.. ثم استجمعت كل قواي العقلية لتحقيق هدف المتابعة والفهم والاستنتاج.. وكان من الامور اللافتة للانظار موقف الفلول وورثتهم من الذيول خارج القاعة، فقد ارادوا الا يشعر الحضور بملل انتظار بدء المحاكمة.. قدموا عرضا اجراميا بالاشتباك مع اسر الشهداء والمتعطشين للقصاص من راعي الفساد.. تصرفوا حتي داخل القاعة وكأن الرجل الذي يدافعون عنه مازال يملك ادوات الدولة البوليسية التي تضمن له البراءة! وتأخذنا الكاميرا من الخارج الي الداخل.. في القفص الكادر يضم الثلاثة.. الاب ونجليه.. وجوه شاحبة.. عيون زائغة.. حركات وايماءات تدل علي ان قلوب اصحابها عن تقوي الله غائبة.. وينتهز الزميل والصديق مصطفي بلال مدير التحرير حالة الهرج والمرج من قبل المحامين ليسأل: »ليه تاني الغرور والغطرسة دي«؟ ويأتي ردي عليه دون تفكير »لهم عذرهم فالملايين عندهم كانت مجرد فكة.. وتغييرهم للشعب كان ناقص عليه تكه.. سرقوا الكحل من العين، ومش ساكتين.. عايزين الباقي من الفريسة، وكمان نقول لهم آمين«! نعود الي جولات الكاميرا داخل القاعة.. لنسمع نداء العدالة ينطلق علي لسان المستشار احمد رفعت: المتهم محمد حسني السيد مبارك؟ ويرد المخلوع : »موجود« ونفس الردعلي لسان نجليه علاء وجمال! فيشتعل الاستفهام في رأسي: ماذا حدث؟ لماذا تغيرت الاجابة الي كلمة واحدة يتيمة بعد ان كانت »أفندم.. انا موجود« وجاءت تفسيرات »عمنا بلال« لتصيب الحقيقة: »شوف ده راجل كانت كل مصر بتقول ليه يا افندم.. هو شايف ان الوضع مقلوب.. واذا كان قد قالها من قبل فاعلم ان الوريث السابق والهانم ربما عاتباه علي ذلك! وتتواصل لقطات الكادر.. مرة يظهر فيها جمال.. وثانية يظهر فيها علاء.. وثالثة تبدو فيها ملامح وجه الرئيس السابق.. ورغم حركات ومحاولات الغطرسة والمكابرة فلاجدال أن الانكسار كان عنوانا لهم.. تلك اللقطات جعلت الأفكار »تفور.. وتدور«: أين كان هؤلاء الثلاثة ومعهم الهانم في مثل هذا التوقيت من العام الماضي؟.. كيف كان حالهم وماذا كانت احوالهم؟.. هل كان يتوقع مبارك انه سيحاكم في نفس المكان الذي حمل أسمه ورعي فيه حفلات التخرج؟! هل فكرت سوزان ثابت.. حتي قبل الثورة بثلاثة شهور ولو للحظة واحدة أن خطتها المجنونة للتوريث ستأخذ بالاب ونجليه الي »قفص عمولة«؟! بهذه المحاكمة يتأكد أن مبارك يحصد خلال وقت قياسي ثمار مازرعه طوال 03 سنة.. ولاشك أن البث المباشر للمحاكمة يؤكد علي رسالتين.. رسالة للفلول والذيول.. وأخري للطغاة من الحكام العرب »كبيركم.. أهه« اتقوا الله!