لم يجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبلغ من كلمتي »غصن الزيتون» اللتين كانتا في الماضي ترمزان للسلام والمحبة كي يطلقهما علي حملته العسكرية الجديدة علي عفرين السورية لتتحول الكلمتان بفضل الجهود التركية والمؤامرات الداخلية والدولية لثمرة من ثمار الخيانة والقتل وحروب الوكالة التي تعيشها سوريا منذ سنوات والتي يبدو أنها ستمتد لسنوات قادمة. ورغم مزاعم الجميع ورسائل الشجب والإدانة التي أطلقتها كل من أمربكا وروسيا وايران وحتي النظام السوري تعبيرا عن رفض ما تفعله تركيا في عفرين ، إلا أن الجميع تحالف في الخفاء مع اسطنبول وأيدوا عدوانها الجديد كل وفق أهوائه ومصالحه. نبدأ بأمريكا الطرف »الضعيف» الذي يصر مسئولوه علي اعتباره ضحية لصفقة روسية تركية إيرانية لإخراج أمريكا من سوريا.. ولكن الحقيقة هي أن أمريكا عادت لممارسة الدور الخسيس الذي تمارسه منذ سنوات مع حلفائها وقررت التخلي عن حلفائها الأكراد للمرة الثانية بعد تخليها عنهم في العراق حتي ضاع حلم دولتهم المستقلة.. فإدارة ترامب اعطت الغطاء الشرعي لتركيا لخوض هذه الحرب عندما اعلنت في الاسبوع الماضي تدريب قوة عسكرية دائمة في شمال سوريا رفضتها تركيا بالطبع وكانت اشارة البداية لعمليتها العسكرية الاخيرة التي كانت تستعد لها وتؤكد القيام بها منذ فترة بعد اخذ الضوء الاخضر بالطبع من شركاء العملية. أما أكراد سوريا فقد توقفت عن تسليحهم منذ شهرين ولم يعرف أحد السبب ولكن عندما شنت تركيا هجومها علي عفرين يمكننا القول إن هناك اتفاقا قد تم بين ترامب واردوغان علي السماح لتركيا بضرب »الحلفاء» الأكراد الذين تعتبرهم تركيا ارهابيين في شمال سوريا مقابل مشاركة تركيا في الحرب الدائرة علي داعش وموافقتها علي إقامة منطقة حظر جوي شمال غربي سوريا في المنطقة الحدودية. وبدت الخيانة الأمريكية واضحة في التصريحات والرسائل المتباينة الصادرة من ادارة ترامب والبنتاجون ، فالبيت الأبيض أصدر بيانا يرفض العدوان ولم يدن صراحة النظام التركي. في الوقت الذي رفض فيه مؤخرا خطة للجيش الامريكي لانشاء قوة بقيادة كردية في شمال شرقي سوريا. وأعلن أحد مسئولي الادارة الامريكية ما معناه أن أمريكا لا تعرف الأكراد الموجودين في عفرين وانهم ليسوا حلفاءها الذين يشاركونها في الحرب علي داعش. لينفي البنتاجون في بيان آخر تخلي أمريكا عن حلفائها الأكراد المقاتلين في عفرين وشمال سوريا. أما روسيا صاحبة الدور الأهم في المشهد السوري فلم تبدأ حملة أردوغان علي عفرين إلا بعد موافقة موسكو التي انسحبت من المناطق المحيطة بها قبل الغزو التركي بوقت قصير. واتفق الجانبان علي دخول تركيا عفرين وقتال الأكراد مقابل أن تساعد تركياروسيا والقوات السورية علي محاربة القاعدة في إدلب حيث تمتلك تركيا في إدلب ثلاث قواعد عسكرية تطل علي مدينة »عفرين». كما تضمن الاتفاق الا تعترض الدفاعات السورية الغزو التركي. فالرئيس بشار الاسد يشارك اردوغان كراهيته للأكراد الذين اتهمهم بالخيانة بينما لم يبد اردوغان معارضته من استمرار الأسد علي رأس السلطة في اي اتفاق سلام مستقبلي مع المعارضة التي تقاتل معه الأكراد. في الوقت الذي تسعي روسيا لملء الفراغ الأمريكي في سوريا واستمرارها في رعاية مؤتمرات السلام في سوتشي التي ترسم هذا المستقبل بما يضمن تفوق المحور الروسي علي أمريكا. وقد برع الجانبان الروسي والامريكي في تبادل الاتهامات بشأن اعطاء الضوء الاخضر لتركيا للقيام بعمليات عسكرية في سوريا.. فاتهمت روسياأمريكا بالمسئولية عن تدهور الأوضاع في شمال غربي سوريا وأنها تقوم بتدريب قوات كردية علي الحدود التركية وهو ما أنكرته أمريكا بدورها واتهمت روسيا بأنها من أعطت الضوء الأخضر لتركيا للقيام بعملية عفرين. ولا يخفي الدور الإيراني الداعم والمؤيد لتركيا بعد توقيع اتفاق عسكري ضخم بين البلدين في اغسطس الماضي. وتسعي هي الاخري إلي التأكيد علي مناطق نفوذها في سوريا في الوقت الذي تحاول أمريكا واسرائيل استبعادها من المشهد. وليست هذه هي المرة الاولي التي تتدخل فيها تركيا عسكريا في سوريا فقد بدأ التدخل العسكري التركي في سوريا منذ أغسطس عام 2016 بإطلاق عملية »درع الفرات» بدعوي طرد تنظيم داعش من مدينة »جرابلس»، علي الحدود التركية، ثم انتشرت قوة عسكرية تركية في أكتوبر 2017 في محافظة إدلب في إطار اتفاق »مناطق خفض التصعيد» في سوريا الذي تقرر خلال محادثات الأستانة التي جرت برعاية تركيا وإيران وروسيا. ثم أعلن الرئيس التركي الشهر الحالي عن بدء عملية »عفرين» ضد مقاتلي »حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي وذراعه العسكرية »وحدات حماية الشعب» الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية منذ عقود. وفي المقابل تواجه القوات الكردية مع قوة من المقاتلين الاجانب الهجوم المزدوج من تركيا والجيش السوري الحر الذي تدعمه دفاعا عن حق الأكراد في الحياة بعد سراب وكذبة الانفصال التي غذتها أمريكا لسنوات ولعبت علي وتر حلم تأسيس الدولة الكردية. ولكن كعادتنا دائما يتطلب الامر ان يعاد التاريخ مليون مرة كي نفهم ونحذر ونتغير ونتعلم رغم ان درس الخيانة الأمريكية واحد.