مجموعة الثوار الحقيقية هي تلك التي كانت تضم الضباط الشبان مثل زكريا محيي الدين وأنور السادات وغيرهما، وأنه في قلب هؤلاء كان جمال عبدالناصر جون بادو السفير الأمريكي السابق في القاهرة (1961-1964 مستقيلا) ألف كتابه القيم سنة 1983 »ذكريات الشرق الأوسط» »The Middle East کemembered» بعد رحلة عمل في المنطقة امتدت من سنة 1928 حتي نهاية الستينيات ولقد كنت علي علاقة صداقة معه طوال فترة عمله كسفير لبلاده في القاهرة وكان رجلا أكاديميا ولا يميل إلي المراوغة أو الخداع كما لم يكن يميل للتعاون مع رجال المخابرات المركزية الأمريكية، وقد ذكرها لي صراحة ، لأنهم كما قال يخربون ما يقدمه من اقتراحات لتدعيم العلاقات بين بلاده ومصر. وهو من أهم الكتب الأمريكية التي تناولت ثورة يوليو وعبدالناصر وكان أهم ما جاء فيه النقاط التالية: وحينما صدرت القوانين الاشتراكية وكنت سفيرا للولايات المتحدةالأمريكية في القاهرة، ثارت ضجة حولها فقررت تكوين فريق عمل من رجال السفارة لدراستها بدقة وانتهينا إلي أن حجم القطاع العام الجديد في مصر أقل منه في إسرائيل وفي الهند وفي فرنسا وفي بريطانيا بل وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، وأنه لا يصادر القطاع الخاص أو يغلق الطريق أمامه بل علي العكس سوف يحفزه ويدفعه للمنافسة في ظل اقتصاد مختلط كما حدث في هذه الدول. ويقول السفير بادو أيضاً: »ولمزيد من الاطمئنان من جانب واشنطن. فقد أوفد الرئيس جون كينيدي مبعوثا خاصا هو الدكتور إدوارد ماسون أستاذ الاقتصاد المشهور وبعد إن قام بدراسته المفصلة للقوانين وللأوضاع في مصر قدم تقريرا يتلخص في أنه لم يكن أمام ناصر طريق آخر أو أفضل » ويقول أيضاً إن تعيينه سفيرا في القاهرة، كان نتيجة لسياسة جديدة لجون كينيدي تجاه مصر عبدالناصر والذي قال له قبل أن يغادر إلي القاهرة: أن هناك دول ثلاث مهمة. في العالم الآن وهو أي كينيدي يريد أن يبدأ صفحة جديدة من العلاقات معها وأنه اختار ثلاثة سفراء له في هذه الدول من خارج السلك الدبلوماسي حتي لا يكونوا مرتبطين بمواقف تاريخية سابقة للعلاقات الأمريكية معها وإن في مقدمة هذه الدول مصر ثم تأتي الهند واليابان. وكان من أهم الأسس الجديدة التي سنها كينيدي في علاقته مع عبدالناصر هي أن يثبت احترام الإدارة الأمريكية للقيادة السياسية في مصر ومن هنا أصبحت الرسائل وإيفاد المبعوثين الشخصيين هي سياسة مقررة ومتبعة في تلك المرحلة ليكون عبدالناصر علي علم بكل الخطوات المتعلقة بالشرق الأوسط بما فيها ما يتعلق بالعلاقات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل وهي كما يعرف الجميع علاقات خاصة جدا، والمثل الحي علي ذلك ما تم بالنسبة لصفقة الصواريخ الهوك سنة 1962 وبالرغم من الظروف الداخلية الصعبة في الكونجرس والضغوط الإسرائيلية إلا أن كينيدي أصر علي إيفاد مبعوث شخصي لإبلاغ عبدالناصر بظروف وأسباب إتمام هذه الصفقة وذلك حرصا منه علي استمرار العلاقات الطيبة التي كانت قد بدأت تؤتي ثمارها بين الرجلين وبالرغم من أن عبدالناصر غضب من إتمام هذه الصفقة وشنت الصحافة وأجهزة الإعلام المصرية هجوما عنيفا عليها، فإن عبدالناصر أبدي تقديره الشخصي لقرار كينيدي بإطلاعه علي هذه الخطوة تفصيلا. كما حدث نفس الشيء عندما قرر كينيدي معاودة إجراء التجارب النووية فقد حرص علي إبلاغ عبدالناصر بهذا القرار قبل تنفيذه بيومين. يقول جون بادو إن سياسة كينيدي هذه كانت تلقي معارضة من القوي المؤيدة لإسرائيل داخل دوائر الإدارة الأمريكية ويضرب المثل علي ذلك بقوله إن إيفاد المبعوث الشخصي حول موضوع صفقة الصواريخ الهوك لم يقرأ عنها شيء في واحدة من الصحف الأمريكية. كما ظل الكثيرون من العاملين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يتعاملون مع عبدالناصر باعتباره شيوعيا أو أداة للشيوعية. وهكذا فإن برنامج معونة القمح لمصر والذي زاد بشكل كبير في عهد كينيدي حتي أصبحت هي أكبر صفقة قمح أمريكية بعد صفقة الهند وجدت معارضة داخل الكونجرس والمخابرات المركزية خاصة بعد عمليات التأميم التي حدثت في مصر في ذلك الوقت ودعت بعض رجال الكونجرس إلي انتقاد تقديم المساعدات »للاشتراكيين والشيوعيين هكذا» وذلك بالرغم من أن هذه الصفقة لم تكن تكلف الولاياتالمتحدة شيئا حيث كانت كلها مواد غذائية زائدة عن الحاجة. وقد أجري بادو في تلك الفترة دراسة دقيقة عن الاقتصاد المصري وكانت نتيجة ما وصل إليه هو أن 18٪ من القوي الإنتاجية المصرية هي الي تم تأميمها، ثم قارنت الدراسة هذه النسبة مع مثيلاتها في بعض الدول الأخري من حلفاء واشنطن فوجد مثلا أن القوي الإنتاجية في إسرائيل تبلغ نحو 30٪ وفي الصين الوطنية نحو 25٪، ويقول السفير بادو: »علي أن أفضل ما وقعت عليه أعيننا كان مثال الولاياتالمتحدة نفسها حيث 29٪ من القوي الإنتاجية تخضع للإشراف الحكومي بشكل أو بآخر». ويقول في مكان آخر إنه عندما زاره أحد أعضاء الكونجرس وسأله: لماذا لا نحصل علي عائد سياسي لمساعداتنا الغذائية لمصر. رد عليه بادو قائلا: وما العائد الذي تتصوره؟ فقال: »ليس أقل من الاعتراف بإسرائيل فدون سلام مع إسرائيل يجب أن تقطع هذه المساعدات» فسأله بادو: »وكم من الأموال أيها السيناتور تتصور أنه يجب أن تدفع الولاياتالمتحدة لكي تغير سياستها تجاه الصين الشعبية؟ » فرد السيناتور قائلا: »لا تكن أبله فمال الدنيا كله لا يكفي ليجعلنا نغير سياستنا» فقال بادو: »ولماذا تتصور إذن أن المصريين يمكن أن يغيروا سياستهم مقابل المال أو الجشع؟!». وعن شخصية جمال عبدالناصر يقول السفير بادو: »إنه كان رجلا تشعر علي الفور وبمجرد جلوسك إليه بقدراته القيادية غير العادية، وقد كانت أفكاره واضحة لا غموض فيها، كان دائما واثقا في نفسه وهو يتعامل مع قوة عظمي مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا يخالجه أدني شك في عدالة قضيته. ويقول حول الأزمات التي مرت بمصر مثل الانفصال السوري وحرب اليمن، إن عبدالناصر في أي وقت من تلك الأوقات كان متوترا أو عصبيا أو منفعلا، وإنما كان يبدو هادئا رصينا يختار كلماته الإنجليزية بعناية، ولا يفوته أن يظهر الود لمحدثه وقال بوضوح وصراحة إن الصورة التي كان يحلو لأعداء عبدالناصر أن يرسموها له كانت صورة زائفة تماما. ووصف بادو أول لقاء بينه وبين عبدالناصر عندما كان رئيسا للجامعة الأمريكية وكان في قاعة إيوارت حيث كان محمد نجيب يلقي محاضرة عن الثورة ويقول بادو إنه شعر علي الفور بأن نجيب رغم موقعه الرئاسي وبرغم شعبيته في ذلك الوقت، ليس هو القوة المحركة لدفة الأمور وأن مجموعة الثوار الحقيقية هي تلك التي كانت تضم الضباط الشبان مثل زكريا محيي الدين وأنور السادات وغيرهما، وأنه في قلب هؤلاء كان جمال عبدالناصر هو القائد الحقيقي وأضاف أنه عندما تعرف علي عبدالناصر في تلك الفترة وجده خجولا بعض الشيء يميل إلي الصمت أكثر من الكلام، ويقول بادو صراحة »والحقيقة أنه لم يثر اهتمامي علي الإطلاق في هذا اللقاء الأول، لقد كان له حضور لا يمكن إنكاره، لكنه لم يكن يتحدث كثيرا، وحتي حين عرفته أكثر بعد ذلك كان صامتا إلي أن جاء وقت الكلام فصار رجلا مختلفا تماما». والفارق الرئيسي بين ناصر ونجيب، كما قال بادو كان يتمثل في أن محمد نجيب كان مصلحا أكثر منه ثوريا، أما ناصر ورفاقه فقد كانت لديهم رؤية ثورية لتغييرات جذرية كان المجتمع في أشد الحاجة إليها، ولذلك فقد كان نجيب غير قادر علي التعامل مع القوي السياسية القديمة بشكل حازم. وفي هذا الصدد يقول إن جيفرسون كافري السفير الأمريكي في ذلك الوقت المبكر من قيام الثورة، والذي كان علي علاقة بالضباط الجدد الذين تولوا الحكم، يقول بادو إن كافري قال له ذات مرة إن مشكلة نجيب هي أنه يصدق آخر شخص يتحدث إليه ولذلك فهو متقلب ويفتقر إلي قدرة عبدالناصر علي إتباع سياسات محددة. اللواء محمد نجيب لم يكن أبدا قائدا فعليا لثورة 23 يوليو 1952 بل استدعي الساعة الثالثة من صباح يوم 23 يوليومن بيته في حلمية الزيتون لمقر القيادة العامة بكوبري القبة بعد نجاح عملية الاستيلاء عليالسلطة. محمد نجيب لم يستقل، بل أجبر علي الاستقالة. محمد نجيب نفسه قال: »إن الناس تصفق له من دون أن يستحق التصفيق لأن لا علاقة له بما حدث وإنما هو يقطف ثمرة من المفروض أن يقطفها الذين أحدثوا التغيير». يمكن تحديد الخلافات في العناصر التالية: خلاف بين جيلين +خلافات بين السلطة الفعلية والسلطة الحقيقية. + خلافات بين الواقع والواجهة + خلافات بين التغيير والتقليد. القضايا التي تقررت كانت معدة سلفا واستمرت اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار تعقد اجتماعاتها تحت اسم مجلس قيادة الثورة برئيسها المنتخب جمال عبدالناصر. مطلوب أن تخرج مصر من عروبتها كلام خطير جدا علي لسان الدكتور محمود فوزي ديسمبر 1977 قال الدكتور محمود فوزي لأحمد بهاء الدين ما نصه: »لقد عرضت سيناء علي مصر وأنا - د. فوزي - في السلطة مرتين.مرة في عهد عبدالناصر ومرة في عهد السادات وقد رفض الرجلان العرض وأنا أشهد بذلك. فقال له أحمد بهاء الدين لا تؤاخذني يا دكتور فوزي بما سأقول .. فأنا لا أصدق أن سيناء قد عرضت علينا ورفضناها.. وعندما خطب جمال عبدالناصر وردد شعار »القدس قبل سيناء» أخذت الشعار علي محمل الضغط.