دخلت مواقع التواصل الاجتماعي إلي حياتنا بصورة كبيرة.. أصبحت تقريبا تتحكم في حياتنا، وتحولت في السنوات الأخيرة من مجرد وسيلة للتواصل الاجتماعي وتبادل التعارف والأخبار وإرسال التهاني والتعازي والاطمئنان علي الأقارب والأصدقاء والمعارف.. وتكوين المجموعات لأبناء حي أو مشجعي ناد.. تحولت بعد كل هذا إلي وسيلة للتوحد أي أن يعيش الواحد منا مع نفسه.. وهو ما يظهر واضحا في أي تجمع عائلي أو حتي للأصدقاء.. وأصبحوا حين يتجمعون أن يفضلوا المكان الذي يقدم »واي فاي » مجاني علي المكان الذي يقدم طعاما جيدا. تحولت تلك المواقع خاصة فيس بوك إلي وحش اقتحم حياتنا بقوة.. أو إلي بئر عميقة غرقنا فيها جميعا.. ولكن كل هذا يهون أمام تحول تلك المواقع إلي وسائل لنشر الإرهاب والطائفية والعنصرية ونشر الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة وزرع الكراهية بين أبناء الوطن الواحد المتنوعين دينيا وعرقيا وطائفيا ورياضيا.. ومن هنا برزت فكرة فرض بعض القيود علي تلك المواقع. بدأت العديد من دول العالم المتقدم إعلان تصديها الصريح والواضح لشبكات التواصل الاجتماعي خاصة بعد المشاكل الكبيرة والآثار السلبية المتعددة التي نتجت عنها والتي يأتي علي رأسها الأخبار الوهمية والكاذبة والتجسس علي المواطنين وغيرها، ، وهو الأمر الذي دفع العديد من دول العالم في النهاية للتفكير بجدية لوضع بعض التشريعات والقيود علي شبكات التوصل الاجتماعي. في ألمانيا أقر البرلمان في يوليو الماضي خطة تفرض غرامة تصل إلي 50 مليون يورو علي مواقع التواصل الاجتماعي إذا فشلت في حذف المحتويات غير القانونية في الوقت المحدد، ، وأعطت مهلة لحذف المنشورات التي تحتوي علي خطابات تحض علي الكراهية 24 ساعة، وفي بعض الحالات تمتد إلي سبعة أيام، ولعل هذه الخطوة جاءت في ظل انتشار الأخبار الملفقة والمحتويات العنصرية التي تستهدف المهاجرين، وقد توقف تنفيذه حتي بداية العام الحالي بعد إعطاء شبكات التواصل الاجتماعي مهلة للاستعداد لبدء تنفيذ القانون. وفي بريطانيا، أوصت لجنة برلمانية أنه يجب علي شركات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك ويوتيوب تحمل مسئولية المواد التي يستضيفونها عبر منصاتهم، ومعاقبتهم من خلال الغرامات أو الملاحقة القضائية إذا لم يزيلوا المحتوي العنصري أو المتطرف أو الذي يحوي اعتداء جنسيا علي الأطفال، ووعدت اللجنة بأنه سيكون هناك دفعة لتغيير القوانين للتأكد من أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تتحمل مسئوليتها كوسيلة إعلامية وليست منصة اجتماعية فقط، وهكذا ستكون مسئولة عن أي محتوي غير قانوني ينشر عبرها، وهو ما يعني اعتبار تلك الشركات كناشرين ومنعهم من وصف أنفسهم بأنهم منصات اجتماعية فقط. وفي فرنسا أصدرت وكالة الرقابة علي الخصوصية الفرنسية إشعارا رسميا إلي تطبيق واتس آب، تطالب فيه بوقف تبادل بيانات المستخدمين الفرنسيين مع الشركة الأم » فيس بوك ».. لكن الشركة قالت إنها لا تستطيع تقديم العينة المطلوبة لأنها تقع في الولاياتالمتحدة، ولا تخضع إلا للتشريعات الأمريكية.. وقال رئيس اللجنة إن نتيجة لذلك، تقرر إصدار إشعار رسمي لشركة واتس آب للامتثال لقانون حماية البيانات في غضون شهر واحد.. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. بل أقرت السلطات الفرنسية مشروع قانون يقضي بوجوب حصول الأطفال الفرنسيين القصّر تحت 16 عاما علي موافقة الوالدين لفتح حساب علي »فيس بوك». هذا ما يحدث في دول متقدمة وصلت الي حد أقصي في حماية الحرية والخصوصية.. وصلت شعوبها الي حد كبير من النضج والوعي والقدرة علي التمييز والاختيار.. والأولي أن تكون للدول ذات الثقافات العريقة والتقاليد المحترمة نفس الموقف وأكثر.